من المظاهر القبيحة عند طلبة العلم المتشغلين بالرد على الفرق المبطلة هو مسلك التنازل عن اللفظ إذا استخدمه الخصم بمعنى باطل وقبل الحديث يجب أن نفرق بين نوعين من الألفاظ:
- لفظ هو حق في أساس معناه اللغوي أو الشرعي أو العرفي (وسنضرب عليه مثال بلفظ "المكان".
- لفظ موهم أول من وضعه واستخدمه واصطلح عليه لمعنى في السياق الذي هو محل النزاع هم أهل الباطل أنفسهم وسنضرب عليه مثال بلفظ "الجسم".
مسلك أهل السنة وهو الحق، أنهم أثبتوا لله المكان على معناه اللغوي الصحيح وهو نسبة جهة بينه وبين المخلوقات وهو أنه فوق بالنسبة لها وبالنسبة لأي مخلوق خُلِقَ أو سيخلق، وأن هذا المخلوق هو في السفول بالنسبة لله سبحانه، ولم يلتفتوا لتشنيعات الخصوم ومحاولة تحريفهم للفظة المكان واستخدامها في سياقات سيئة والتنظير عليها لقرصنتها وتحديدها بمعاني لا تليق إلا بالمخلوقين بل تمسكوا باللفظ ولم يسلموه للخصوم.
بينما توقفوا في لفظ الجسم مبدئّيا ولم يستخدموه لأن معناه اللغوي من حيث الأصل لا يتضمن شيء أثبتته الشريعة، لكن لما علم أن الخصوم حقنوه بمعاني حق وباطل ونفوها دفعة واحدة من خلال نفيه مع التمويه على الناس بأنهم فقط ينفون المعنى اللغوي بذريعة نفي التشبيه، فاستفصل منهم السلف ليثبتوا الحق المتضمن في هذا اللفظ بألفاظ صحيحة لغويّا لا اشتباه فيها ولنفي الباطل الذي فيه.
فالمسلك الباطل هو الضعف والتنازل للخصم بتسليمه هو لفظ يحاول قرصنته، أو استخدام ألفاظ وضعها الخصم وصفًا لك كتعبير عن نفسك فهذا أيضًا من الاحتكام لمصطلحات الخصم وقد يكون اللفظ مجمل يدخل فيه أهل الحق وأهل الباطل، ومثال ذلك لفظ دخل على طلبة العلم بسبب رعونة بعض الكتاب مثل الانتساب "للمادية" لمجرد أننا نقول كل موجود قائم بنفسه فهو قابل للحس لأن الله يراه بالفعل سبحانه ولو غاب عن بعض خلقه.
وقد يصل هذا المسلك بأصحابه للنفور من لفظ حتى ينفروا من استخدامه مطلقا بجميع معانيه سواء كانت حق أم باطل فمجرد كتابتك لهذه الكلمة هو يتصور في ذهنه نسبتك لطائفة ما شاع استخدام اللفظ هذا بينهم حتى لو أنك تستخدمه على معناه اللغوي الصحيح السابق لنشأة هذه الفرقة أصلًأ مثل لفظ "يحكي كلامه ربه" بمعنى يؤديه الذي صار الأشاعرة يستخدمونه بمعنى "المحاكاة" والإتيان بالمثيل أو التعبير بألفاظ من عندك.
ومثل من وقع منه نفي الزمان والمكان والأبعاد عن الله لمجرد أن هناك من قرصن هذه المعاني بسبب نظريات يفترض أنها لا تصف إلا أنواع الموجودات بالشاهد ولا علاقة لها لتتحكم في صفات المغيبات وكيفياتها أو تضع كيفية للمعنى حيثما تحقق في أي موجود.
فيحصل تبني للفظ ما أو رفضه بناء على سياق مناكفي بينما لو تركوا هذه المصطلحات التي ليس لهم يد في وضعها ووضعوا هم مصطلحات صحيحة لغويّا أو شرعيا واستفصلوا مع مصطلحات الخصوم ولم يرضخوا لها لدرئت الكثير من المفاسد.
وقس على ذلك جميع الألفاظ التي تستخدم في أي سياق مناكفي.
#الغيث_الشامي