التفريق التحكمي بين الصفات العينية كاليد وصفات المعاني كالعلم



بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"ولفظ " الأعراض في اللغة " قد يفهم منه ما يعرض للإنسان من الأمراض ونحوها وكذلك لفظ " الحوادث والمحدثات " قد يفهم ما يحدثه الإنسان من الأفعال المذمومة والبدع التي ليست مشروعة أو ما يحدث للإنسان من الأمراض ونحو ذلك. والله سبحانه وتعالى يجب تنزيهه عما هو فوق ذلك مما فيه نوع نقص فكيف تنزيهه عن هذه الأمور؟ ولكن لم يكن مقصود المعتزلة بقولهم هو منزه عن الأعراض والحوادث إلا نفي صفاته وأفعاله فعندهم لا يقوم به علم ولا قدرة ولا مشيئة ولا رحمة ولا حب ولا رضا ولا فرح ولا خلق ولا إحسان ولا عدل ولا إتيان ولا مجيء ولا نزول ولا استواء ولا غير ذلك من صفاته وأفعاله. وجماهير المسلمين يخالفونهم في ذلك ومن الطوائف من ينازعهم في الصفات دون الأفعال ومنهم من ينازعهم في بعض الصفات دون بعض"

- مجموع التفاوى، القدر.

فبين شيخ الإسلام المعنى اللغوي للفظة الأعراض وأن خلافنا مع المعتزلة ونفاة الأعراض ليس خلافًا لغويًا محضًا إنما هو خلاف على ما اصطلحوا على أن يسموه أعراض، وهنا يبغني التنبه إلى أن معظم الخلافات الفلسفية لا تدور حول اللفظ إنما الحقيقة التي ينزل عليها اللفظ وكثير من الناس يجادل في نفس اللفظ ومعناه لغةً ظنا منه أن هذا مدار الخلاف.

والأشاعرة يقولون إذا أثبتم لله يد فأنتم مشبهة فنحن لا نعلم اليد إلا هذه التي في الإنسان، وكذبوا بل اليد يمكن أن تضاف لغير الإنسان فهي صفة والصفة تأخذ كيفيتها من الموصوف بها لكن لها معنى ثابت في نفسها (بغض النظر عن قدرتك على صياغة تعريف له بألفاظ أخرى أم لا فهذا مبحث آخر وهو خارج محل النزاع)

فإن قيل إن يد الإنسان لها شكل معين، قيل هذا داخل في معنى الكيفية، فإن قلت أنا لا أعقل الفرق بين المعنى والكيفية قلنا لك قل هذا في العلم والقدرة والحياة.

فهي في الإنسان لها كيفية معينة فمثلًا العلم هو نوع من الحس الباطن ويحصل في الإنسان بكيفيات معينة ويقوم بالإنسان بكيفية معينة فله كيفية تخص الإنسان وهو من باب الأعراض على اصطلاح المعتزلة أي ما يقوم بغيره في الأعيان ونحن لا نعقل العلم في الشاهد إلا أنه يقوم بجسم ويكون في قلبه أو دماغه.

ثانيًا إن الأعراض أضعف وجودّيا من الأبعاض، فإن في الشاهد البعض يقوم بنفسه فيد الإنسان هي بعض قائم بنفسه من الإنسان، أما العلم واللون والحياة والقدرة فهي تقوم بغيرها، فمثلًا بعض قدرة الإنسان يقوم بيده، بينما اليد لا تقوم بالقدرة، وحياة الإنسان تقوم ببدنه، بينما رأسه لا يقوم بالحياة، فما نعقله في الإنسان من صفات المعاني كلها تقوم بالجسم ولولاه ما وجدت، بينما الأبعاض تقوم بلا صفات المعاني.

فإن كنت تريد أن تحتكم للشاهد فدونك هذه الحقيقة الصادمة!

ثانيّا فإن مصدر العلم بمعنى القدرة ومعنى اليد واحد هو الشاهد ثم ننزل المعنى الكلي على الغائب دون الخوض في الكيفية، فنعقل القدر المعنوي المشترك ونقول بأن هناك قدر مميز لكن نفوض العلم به.

وحتى أوضح الأمر أكثر فإن الكيفية هي صفة الصفة، وهي التي تعرف بمشاهدة الموصوف أو شبيهه أو أحد أفراد نوعه، وهي ما به يحصل الفرق بين علمك أنت بصفات الله وعلمه هو، فمثلا الله يعلم أن له حياة، وأنت تعلم أن لله حياة، فما الفرق بين علمك بذلك وعلمه؟ الفرق أنه يعلم حقيقة وصفة قيام الحياة في نفسه بينما أنت فقط تعلم أنها تقوم به دون إدراك حقيقة ذلك التفصيلية.

باختصار، كل ما تقوله في الأعيان من أنها لا تكون إلا جسمًا مركبًا، يقوله لك المعتزلة في الصفات التي لا تكون فينا إلا أعراض قائمة بالجسم والأبعاض، فإن تعقلت اعراضًا لا تستلزم التركيب الممنوع فيلزمك في الأبعاض.

وفي التعليقات بحث تفصيلي مستل من كتاب الإنتصار للتدمرية لمناقشة هذه الشبهة.

#الغيث_الشامي


إرسال تعليق