الملاحظ أن مثل هذه المشجرة هي تلخيص لردود أهل السنة على المتكلمين في مسألة التأويل الحادث المبني على علوم نظرية بعيدة
ولا يمكن لكثير من المشتغلين بالإعجاز العلمي أن يستخدموا هذا الرد لأنهم يسلمون للمتكلمين بأن الله قد يتكلم مع الرسول والصحابة بما يضلهم لنقص في محسوساتهم أو معقولاتهم لكن يهدي أقوامًا بعدهم بكذا وكذا قرن!
هذا يذكرني بمناقشة للرازي نقلها ابن القيم في الصواعق المرسلة:
حيث يقول الرازي عامله الله بعدله:
"فإن قيل: إن الله سبحانه لما أسمع المكلف الكلام الذي يشعر ظاهره بشيء كان في العقل ما يدل على بطلان ذلك الشيء وجب عليه سبحانه أن يخطر ببال المكلف ذلك الدليل وإلا كان ذلك تلبيسا من الله تعالى وإنه غير جائز
قلنا: هذا بناء على قاعدة الحسن والقبح وأنه يجب على الله سبحانه شيء ونحن لا نقول بذلك ثم إن سلمنا ذلك فلم قلتم إنه يجب على الله أن يخطر ببال المكلف ذلك الدليل العقلي وبيانه أن الله تعالى إنما يكون ملبسا على المكلف لو أسمعه كلاما يمتنع عقلا أن يريد به إلا ما أشعر به ظاهره وليس الأمر كذلك لأن المكلف إذا سمع ذلك الظاهر فبتقدير أن يكون الأمر كذلك لم يكن مراد الله من ذلك الكلام ما أشعر به الظاهر فعلى هذا إذا أسمع الله تعالى المكلف ذلك الكلام فلو قطع المكلف بحمله على ظاهره مع قيام الاحتمال الذي ذكرنا كان ذلك التقدير تقصيرا واقعا من المكلف لا من قبل الله تعالى حيث قطع لا في موضع.
يقول ابن القيم معلقًا على هذا الكلام:
فليتدبر المؤمن هذا الكلام وليرد أوله على آخره وآخره على أوله ليتبين له ما ذكرنا عنهم من العزل التام للقرآن والسنة عن أن يستفاد منهما علم أو يقين في باب معرفة الله وما يجب له وما يمتنع عليه وأنه لا يجوز أن يحتج بكلام الله ورسوله في شيء من هذه المسائل وأن الله تعالى يجوز عليه التلبيس والتدليس على الخلق وتوريطهم في طرق الضلال وتعريضهم لاعتقاد الباطل والمحال وأن العباد مقصرون غاية التقصير إذا حملوا كلام الله ورسوله على حقيقته وقطعوا بمضمون ما أخبر به حيث لم يشكوا في ذلك إذ قد يكون في العقل ما يعارضه ويناقضه. انتهى كلامه
قلت:
العجيب أن الرازي أصلًا يناقش الخصم على التسليم وإلا فإنه نبه أولًا أن الإلزام كله غير لازم فهب أن الله لبس على الخلق فما المانع من ذلك؟ يقول لهم هذا مبني على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين وأن العقل يعلم أن الله يتنزه عن القبائح كالتلبيس والكذب وهذا لا يسلمه الرازي وأمثاله!!
فكيف فرقوا بين ما خلقه الله من "ألفاظ بين دفتي المصحف" وبين ما خلقه من ضروريات في نفوسهم؟! إذ الاثنين يمكن التلبيس فيهم والكذب من إله لا يتنزه عن القبائح
لذلك مازلت أقول إن من أقبح أقوال الأشاعرة نفيهم للتحسين والتقبيح وأنه بوابة عظيمة للسفسطة حتى ألزمهم خصومهم بجواز تأييد الله سبحانه "تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرًا لمدعي النبوة الكذاب بالمعجزات!"
وكذلك بعض القائلين بالإعجاز العلمي يلزمهم شيء مما ذكره الرازي من وجه آخر وهو امتناع أن تأخذ كلام الله سبحانه في الطبيعيات الغيبية المغيبة تغيبًا مطلقًا والتي أصلًا يكون تنظير الطبيعيين فيها سفاهة وقلة أدب على محمل الجدية لاحتمال أن يكتشفوا خلاف ما تدل عليه ظاهر الآية لغويّا، بل واحتمال أن يكتشفوا ما به يثبت غلط ما فسرت أنت به الآية سابقًا من نظريات طبيعية في الباب!
فالقران مفتوح للعب على أوسع نطاق لكل من شاء أن يحمل أي آية على أي نظرية وكأنه ليس كلام الله المبين العظيم، فسبحان الله، ماذا جنيتم على الدين يا هؤلاء.
#الغيث_الشامي
(المشجرة مستلة من الانتصار للتدمرية)