"ومن العجب أن المتكلمين المناظرين لهؤلاء، وأمثالهم من أهل الكفر، إذا أوردوا سؤلًا من جنس هذا السؤال، أن يدخلوا معهم في جوابه وحَلِّهِ، وقد لا يكون المجيب متمكنًا من ذلك علمًا وبيانًا، ولا ينقطع بذلك الخصم، ولا يهتدي لنقص قوى إدراكه أو سوء قصده، أو لاحتياج تحقيق ذلك إلى مقدمات متعددة وزمان طويل، وتقرير لتلك المقدمات بجواب ما ترد بها من ممانعة ومعارضة. فيتركوا أن يبدؤوهم من أول الأمر ببيان فساد هذه الحجة، وبيان تناقضهم، وأن قائلها يلزمه إذا قال بها أعظم مما أنكره، فإذا تبين له فسادها وللمتكلمين معه: حصل دفع هذا الشر وبطلان هذا القول وهذه الحجة، وهو المقصود في هذا المقام، ثم بيان الحق وتكميله مقام آخر.
يدخلوا معهم في جوابه وحَلِّهِ، وقد لا يكون المجيب متمكنًا من ذلك علمًا وبيانًا، ولا ينقطع بذلك الخصم، ولا يهتدي لنقص قوى إدراكه أو سوء قصده، أو لاحتياج تحقيق ذلك إلى مقدمات متعددة وزمان طويل، وتقرير لتلك المقدمات بجواب ما ترد بها من ممانعة ومعارضة. فيتركوا أن يبدؤوهم من أول الأمر ببيان فساد هذه الحجة، وبيان تناقضهم، وأن قائلها يلزمه إذا قال بها أعظم مما أنكره، فإذا تبين له فسادها وللمتكلمين معه: حصل دفع هذا الشر وبطلان هذا القول وهذه الحجة، وهو المقصود في هذا المقام، ثم بيان الحق وتكميله مقام آخر.
ومثالُ ذلك مثالُ من قدم العدو بلاده، فأخذ يبني ويغرس، ويعمر ما ينتفع به لنفسه، ويدفع به عدوه، قبل دفع العدو عن بلاده، فجعل كلما عمر شيئًا خربه العدو، وهو غير متمكن من العمارة الثانية، فإذا كان قادرًا من أول الأمر على دفع العدو كان ذلك أولى، وإن حصل له في ذلك نوع مشقة، فهي أخف من كل مشقة يلتزمها مع بقاء العدو ببلاده. والحجج الباطلة هي عَدُوُّ الحق، فهي عدو في قلب الناظر بنفسه لطلب الحق، وقلبه كبلاده، وهي أيضًا عدو له مع المناظر الذي يناظره، وسواء كان معاونًا أو مغالبًا؛ ولهذا ناظر إبراهيم الخليل بمثل هذه المناظرة المتضمنة قياس الأولى، وإلزام الخصم على قوله، أعظم مما ألزمه هو على قول خصمه، كما قال: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 81-82] قال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ} [الأنعام: 83] قال زيد بن أسلم وغيره: بالعلم. فالعلم بحسن المحاجة مما يرفع الله تعالى به الدرجات، وكذلك قال تعالى فيما أمر أن يخاطب به أهل الكتاب {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) } [المائدة 59-60]."
بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (1/ 493)
___
قلت: فالمقصود إن أورد الخصم عليك شناعة على الإسلام، أو على الألوهية أو الربوبية أو الأسماء والصفات فالأولى أن تبين له أن الشناعة هذه تقع عليه من باب أولى إن كان خياره في حلها هو الجحد والإنكار، وأن لازمه من الشناعات على موقفه أكثر مما يلزمك، ثم بعد ذلك تدفع عن نفسك الشناعة بما فتح الله عليك، وإلا فأنت باقِ على الفطرة الأولى والبداهة العقلية، فإن هو كابرها وجحدها وتنكر لها وانتقل إلى القول المقابل لها هربًا بزعمه من تلك الشناعات تبين لك أنها تلزمه من باب أولى وعلى صورة أكثر شناعة وبهذا فلا حاجة لك أن تنتقل إلى مذهبه وتترك مذهبك، فأنت على مذهبك الفطري لا تحتاج أن تدفع كل شنعة ويمكنك أن تفوض العلم بجوابها لله، أما هو وقد تكلف تغيير مذهبه والتغيير من الفطرة إلى النظر فتكاثرت الشناعات عليه وصار لازمًا عليه جوابها.
#الغيث_الشامي