في نقد نقد الزواج التقليدي

يشيع بين المراهقين اليوم اعتبار الزواج التقليدي طريقة "عفا" عليها الزمن، وطبعًا هذه فكرة تقدمية اختزالية، بمعنى قياس تفاعل المجتمعات البشرية مع بعضها البعض مع التقدم التيكنولوجي من حيث التفاعل السلبي والإيجابي على مجرد التقدم العلمي في الاختراعات تحديدًا وهذا قياس فاسد جدّا، حيث أن للعلم التجريبي المتعلق بالظواهر المحسوسة بشكل مباشر والاستفادة منها طبيعة تراكمية بالفعل تتراكم مع تقدم الزمن، أما البنية الاجتماعية فهي معقدة جدّا وقد تتفاعل بشكل سلبي مع اختراع جديد ولا إشكال.

على أية حال لن أطيل في هذا النقاش، الأمر أن الملاحظ في العلاقات البشرية ما يسمى "حتمية الملل"، من المتوقع جدّا بل يكاد يكون المجزوم به هو أن أحد الطرفين سيشعر بالملل، ونتيجة للحرية الفردية الطاغية في المجتمع الحديث، صار من حق الشخص الخروج من علاقة قد ملّ منها ليكمل حياته في غيرها، لكن هذا قد أفقد العلاقات الشعور بالاستقرار والأمان وأفضى عليها حالة من القلق حتى أن البعض بدأ يلجأ للبحث عن حيل التلاعب النفسي بالطرف الآخر لاستبقائه لأطول فترة ممكنة في العلاقة، صحيح أنك بتخليك عن الزواج التقليدي قد قللت من تحكم المجتمع بك، لكنك أيضًا تخليت عن ضماناته الجماعية التي تظهر بصورة مؤسسة الزواج والخطوبة والمسؤولية، واستبدلتها بمجرد إرادة الطرفين الحرة التي تخضع للاحتياج العاطفي المعرض للملل والتبدل والحالات المزاجية والطمع بالفرص الأفضل.

لذلك فالعلاقات العصرية ما قبل الزواج ليست حل لمشاكل الزواج التقليدي إنما هي مجرد وزنية أخرى غير مجربة، بمعنى أن للمجتمعات البشرية تجربة طويلة جدا مع الزواج التقليدي، أما العلاقات ما قبل الزواج فللأسف يمكنني أن أخبرك أنهم إما أنهم لديهم تجربة قاسية معها أو ليس لديهم التجربة الكافية بعد للحكم بأنها أفضل من الزواج التقليدي.

فهي أحد النماذج القاصرة المطروحة لحل مشكلات الزواج التقليدي، أو لنقل صورة أخرى من صور معادلة (اختيار الشخص الجيد) مع الاستغناء عن رأي المجتمع والأهل مقابل التجربة المباشرة بين الطرفين (والتي يكون فيها تعلق ومشاعر وقد تسبب جرح نفسي للطرفين واكتئاب وليست تجربة آمنة أبدًا)

لذلك قبل أن تنتقص من الزواج التقليدي، تذكر أنك تركت قطيع ضخم سارت فيه كل المجتمعات البشرية عبر التاريخ، إلى قطيع صغير غير آمن أنت فقط من ستحمل مسؤولية نفسك فيه.

#الغيث_الشامي


إرسال تعليق