الديموقراطية عندما حلت محل الدين في الوعي الجمعي للشعوب

2 وقت القراءة

"فأصبحت الديمقراطية هي في العصر الحديث دينًا جديدًا؛ ليطابق طبيعة مؤسسات الدولة المعاصرة التي ترى في الانتساب إليها مسوغ الوجود في كيان سياسي، يجسد هوية القاطنين على أراضيها، ويعكس تصوراتهم ومبادئهم، ويحدد أهدافهم، ويسن قوانينهم وتشريعاتهم؛ فكما كان الناس على استعداد لأن يقاتلوا في سبيل الدين والكنيسة أصبح الرجل والمرأة على أهبة القتال والموت في سبيل دولته وشعبه (2)، وما ذاك إلا لوجود المعنى الديني في الانتساب لهذا النظام، وفق الرؤية الحديثة للدولة القطرية القومية.

ووجه كون الديمقراطية ديناً، أنها فكرة ونظرية ينبني عليها فعل وإرادة يوالى من أجلها ويعادى في سبيلها؛ فيُقال ديمقراطيون ودعاة للديمقراطية و«مستبدون وأعداء للديمقراطية» (۳)، وهذه الموالاة والالتفاف حول هذا المفهوم، وما يستتبعه من نظرية وتطبيق أصله المحبة الباعثة على التمجيد والإخلاص للفكرة والانتماء الشُّعوري والذهني لأهلها ومنظريها، والمحرضة على الفعل والعمل لإعلاء شأنها ونشرها وبثها، والسعي في تحقيقها وتمكينها، ولهذا يقول ابن تيمية واصفًا أصل معنى التَّدين عند البشر، وكونه متعلقا بطبيعة الاجتماع الإنساني: «إذا علم أن المحبة والإرادة أصل كل دين، سواء كان دينا صالحًا أو دينا فاسدًا، فإنَّ الدِّين هو من الأعمال الباطنة والظاهرة والمحبة والإرادة أصل ذلك كله، والدين هو الطاعة والعبادة والخُلُق، فهو الطاعة الدائمة اللازمة التي قد صارت عادة وخُلُقًا».

وتفصيل ذلك : أن المحبة والإرادة مؤدية إلى الفعل للمحبوب والترك للمبغوض، وهما أمران لا يمكن للحي الخلو عنهما، وبه يُعلم: «أن كل طائفة من بني آدم لا بد لهم من دين يجمعهم، إذ لا غنى لبعضهم عن بعض، وأحدهم لا يستقل بجلب منفعته ودفع مضرته، فلا بد من اجتماعهم، وإذا اجتمعوا فلا بد أن يشتركوا في اجتلاب ما ينفعهم كلهم، مثل: طلب نزول المطر، وذلك محبتهم له، وفي دفع ما يضرهم مثل عدوهم، وذلك بغضهم له، فصار ولا بد أن يشتركوا في محبة شيء عام، وهذا هو دينهم المشترك العام وإذا كان كذلك فالأمور التي يحتاجون إليها يحتاجون أن يوجبوها على أنفسهم، والأمور التي تضرهم يحتاجون أن يحرموها على نفوسهم، وذلك دينهم، وذلك لا يكون إلا باتفاقهم على ذلك وهذا الاتفاق الذي هو دينهم قد يكون باطلا فاسدًا إذا كان فيه مضرة لهم راجحة على منفعته، وقد يكون دين حق إذا كانت منفعة خالصة أو راجحة."

المراجع:

1- حمد السريح، تفكيك الديموقراطية، ص10-12.

2- كارل بيكر، البيل إلن عالم أفضل، ترجمة: عبد العزيز إسماعيل، الفاهرة، 1948، ص72.

3- انظر: محمد الأحمري، الديمقراطية الجذور وإشكالية التطبيق، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2012، ص،49-50، 129-134.

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق