"ينسى مايكل بيهي كما ينسى خصومه أن أصل المشكلة فلسفي ميتافزيقي محض، وأنه يرجع إلى الباردايم الدارويني نفسه Paradigm Darwinian (الذي انتظم بيهي في التنظير تأسيسا عليه، خلافا لما يظنه من لم يفهم فلسفة الرجل ومنهجه)، وإلى جملة مفاهيم أولية معتمدة في ذلك البارادايم يجب أن توضع تحت النقد العقلي أولا قبل أن تؤخذ إلى المعامل، كمفهوم االوظيفة» Function واالعضو» Organ والنوع» Species والرقي» Evolution والتكيف Adaptation و«التطفر» Mutation والانتخاب» Selection وغير ذلك، لا أن توضع النظريات التفسيرية لأصول الأنواع» واالنظم» وتوضع النظريات المقابلة جريا على تلك المفاهيم الكلية نفسها، ثم تطرح النظريات للبحث المعملي طلبا لتأويل للمشاهدات يعضد هذه النظرية أو تلك أو يقلل من احتمالية ثبوتها!"
- أ.د.م أبو الفداء ابن مسعود، معيار النظر، 6\455، ط2.
--
قلت: وهذه من أكبر الضربات التي وجهها داروين للخلقويين النصارى الذين سلموا للطبيعانيين الدهريين بطريقتهم في التعاطي مع الجوانب المغيبة تغييبا مطلقًا من الظواهر (أي الغير محسوسة والتي لا يتصور أن نقف على تجربة تفيد إحساسًا مباشرًا لها في يوم من الأيام)، فيقول التطوريين لهم، مجرد وضعنا لأي سيناريو غيبي تطوري يفسر وجود الكائنات الحية بزعمنا على ما هي عليه مهما كان كانت تأباه البداهة العقلية السوية، فيكفينا ذلك التفسير الطبيعاني كتفسير علمي، وحتى نقبل منكم إسقاطه عليكم أن تأتونا بمشاهدات لا يمكن تفسيرها بسيناريو يدخلها بوجه ما في نظريتنا، وطبعًا هنا سيدخلون في فخ عميق الغور إذ سيتكلف الباحث النصراني وقتًا طويلًا من عمره ليأتي بمشاهدة معينة معضدة بدليل عقلي يسلمه له الطرف الآخر لإستحالة تفسيرها على الطريقة الداروينية، ويمكن لأصغر طفل دارويني أن يفرغ من وقته نصف ساعة قبل النوم ليتخيل سيناريو يفسر وجود هذه الظاهرة داروينيّا ومجرد تخيله لذلك كفيل أن يسقط جهود الخلقوي النصراني!، وهذه من آفات الواقعية العلمية، والمنهجية الطبيعية بعموم، مجرد القدرة على التفسير تساوي صحة التفسير! مهما كان لا يستند لأي خبرة بشرية أو عادة حسية تعضده ومهما كان مخالفًا للضرورات العقلية، فقط تكفي السماحية التأويلية والرياضية لاعتباره صحيحًا حتى يثبت العكس، وهذا العكس لا يمكن أن يثبت أبدًا لأن الأمر برمته غيبي لا يمكن لأحد أن يعود له ويتأكد، وسيبقى الدارويني دائمًا قادر على اختراع تأويل تخيلي لكل الظواهر الممكنة عقلًا لإدخال مشاهدة ما في نظريته، فقد رأينا كيف قام الداروينيين بتخطي جميع شروط الإبطال التي وضعها داروين إلى أخرى كحبال طرزان، لأنها ببساطة مجرد ديكور، ولن ينقلبوا عن النظرية أبدًا إلا لظروف اجتماعية (كالثورة العلمية على تعريفات النظام الفكري الخاص بهم وطريقة إنشائهم للنماذج ووصفها وحسب) وإلى نظرية أخرى طبيعية مثلها تكون أكثر توافقًا وتكفيًا مع طريقة التفكير القادمة للمجتمع العلمي.
وإلا فالشرط الحقيقي لإبطال نظرية داروين هو أن تخترع آلة الزمن وتعود بالزمن لترى بعينك كيف تم خلق الكائنات الحية، وهنا وهنا فقط من المحتمل أن يسلم لك الدارويني أن هذا يسقط نظريته، فتأمل..
#الغيث_الشامي