في قولهم في المناظرة: لا ترد على سؤال بسؤال

وقد يبدو للوهلة الأولى أنه منعك عن مغالطة منطقية متفق على كونها كذلك، لكن حقيقة الأمر هذا تحكم، أو ما يسمى "دفع بالصدر"، لأن رد السؤال بسؤال قد يكون له عدة استعمالات، منها ما هو مغالطة ومنها ما هو حق بل ومن أقوى أنواع الردود! ألا وهو الإلزام بالتناقض!

وسأضرب لكم مثال على الطريقة التي فيها مغالطة أولًا، وهي مغالطة "الرنجة الحمراء - أو لنسميها بالعامية "مغالطة بص العصفورة" وبالمناسبة ليس من الضروري أن تحفظ أسماء المغالطات المنطقية بل يكفي أن تنتبه إلى وجه المغالطة فيها وتنتبه لتحقق هذا المعنى في كلام الخصم لأن المغالطات ليس لها أسماء موضوعية في نفسها " ليس لها أب وأم قاموا بتسميتها : ) " هكذا أزعم على الأقل ..

قد يكون لدارسي المنطق المتشدقين بحفظهم للمصطلحات التي هي معقول فطري قبل التسمية وبعدها قول أخر.

على أية حال ومثالها التالي: 

لأا ترى أن الصحيح  تعظيم حقوق الله أكثر من أي حقوق أخرى.

فيقول: لكن هل تعني أن حقوق العباد غير مهمة؟!! هل تعني أن الحكم بما أنزل الله غير مهم؟!

فلك هنا أن تقول له لا ترد على السؤال بسؤال، لأن جوابك على هذا السؤال مفصلي ومهم وسأستخدمه أنا شخصيا في نقاشي معك حول هذه الأسئلة التالية التي طرحتها

وليس لك أن تغير موضوع السؤال وتتركه بلا إجابة، ومختصر هذه المغالطة "لا تغير الموضوع!" ولا تتجاهل سؤالي لأن له فائدة في النقاش وسأبني على جوابك عليه حجة.

المثال الثاني: وهو المثال الذي يكون فيه الرد بسؤال ليس مغالطة بل إلزام قوي.

يقول القائل: كيف تثبتون لله اليد والوجه أليس هذا تجسيم وتشبيه

فأقول: ألست تثبت الحياة والكلام والقدرة والإرادة.. إلخ؟

فيقول: لا ترد على السؤال بسؤال ولا تغير الموضوع ولا تتجاهل سؤالي (كما صنعنا نحن في المثال السابق)

حقيقة الأمر هنا هو المغالط، لأنني لم أغير الموضوع ولم أتجاهل سؤاله بل أنا أمهد لجوابه من فمه أصلًأ

فانتظر منه أن يقول : نعم أنا أثبت هذه الصفات

فأقول له: القول فيما تثبت كالقول فيما تنفي، وكما تجيب المعتزلي عن هذه الصفات إذا اتهمك أن اثباتها تشبيه، سأجيبك أنا في اتهامك لي، لأن ما تثبته أنت تسميه في المخلوق أعراض، كما تسمي ما اثبته أنا أبعاض، ودليلك العقلي يمنع الاثنين، فكما تحايلت على دليلك لتثبتها تحايل لتثبت باقي الصفات!

فإن قلت هذا لا يعقل، يقول لك المعتزلي وأنا لا أعقل الحياة والعلم والإرادة إلا أعراض، كما لا تعلق اليد والوجه إلا أبعاض وجواهر والدليل الكلامي المخترع المتفق عليه بينكم يمنع الاثنين، وكما تركته أنت يا أشعري فيما يسمى أعراض أتركه أنا السني في مقابل الوحي فيما تسمونه أبعاض.

فكما أثبت حياة وقدرة لا تشبه الأعراض المخلوقة، أثبت يد ووجه لا يشبه الأبعاض المخلوقة.

وكما أثبتّ بعض الصفات بلا تشبيه أثبت كل الصفات بلا تشبيه واتقّ الله!.

مع كوني أنا لا أقبل هذا الدليل أصلا فلا يلزمني ما بني عليه من كون هذا تشبيه وأن الأجسام متماثلة وأن العلاقة بين الصفة والموصوف الموجود في الأعيان علاقة تركيب يستوجب الافتقار 

فكما ترى أنا بنيت حجتي بالكلية على سؤاله سؤال كسؤاله هو وهو في صلب الموضوع لأبني إجابة سؤالي على إجابة سؤاله هو لأن فعلا القول في سؤاله كالقول في سؤالي، وهذا إلزام له بالتناقض إذ سأجيبه على سؤاله من فمه هو ، ولست أتهرب من الإجابة كما في المثال الأول وهو الممنوع.

هذا والله أعلم

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق