إبطال شبهة أن أهل السنة يشبهون الله بالمحسوسات


بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

يقول قائلهم: أنتم تشبهون خالقكم بالمحسوسات، وتقيسون في صفاته قياس الشاهد على الغائب:

وهذه دعوى سخيفة جدا ولو أن ظاهرها مزخرف وينطلي على العوام: 

لأن كلمة "المحسوسات" مجملة: فهل تقصد هذه المحسوسات التي نراها في الدنيا، فكذبت لأننا نقول ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

لكن من أين تعلمنا معنى السمع والبصر نحن وسائر العرب؟ من المحسوسات فهمنا المعنى العام وقلنا أن الله متصف بأنه سميع وبصير حقيقة كما هو معنى السمع والبصر في اللغة العربية لكن ليس ككيفية سمع وبصير المخلوقات وكما تقوله أنت في الوجود والقدرة نحن نقول في السمع والبصر واليد والوجه

فإن قلت هذه الصفات لا تكون في المخلوقات إلا أجساما من لحم ودم قلنا لك والقدرة لا تكون إلا من قوة الأجسام التي من لحم ودم في المخلوقات! فبأي شيء فرقت إذا ، وثم هكذا تكون ناديت على نفسك بالتناقض إذ قلت أننا مشبهة وأنت أصلًا من عطلت ونفيت الصفة التي وصف الله بها نفسه لأنك ادعيت أنك لا تعقلها دون تشبيه! فمن منا أحق بالتشبيه إذا ؟

الثانية: أن الملحد يعترض بنفس اعتراضك إذا قلنا له كل حادث له محدث وكل مخلوق له سبب يقول أنت تقيس الشاهد على الغائب، فبمثل ما ترد أنت عليه نرد نحن عليك، فإن قلت هذه ضرورة نتعلمها من الشاهد ولكن يعممها العقل على الغائب لعلمه بوجه ضرورتها قلنا لك ونحن أيضًا نقول مثل كل العقلاء أن الذهن يعمم أن أي شيء حقيقي إما داخل غيره أو خارج عنه منفصل عنه! وأنه إما موجود الآن أو كان موجودا في الماضي أو سيكون موجود في المستقبل! أما أن لا يوصف بأي معنى زماني ولا أنه موجود "الآن" فأي شيء هذا سوى العدم المحض!

الثالثة: أن الله إذا كان قادر أن يجعل عباده المؤمنين يرونه في الآخرة ويرون جماله وكماله سبحانه أكمل من أن يشبه العدم الذي تستحيل رؤيته! 

وكذلك لو شاء أن يخاطبنا بكلامه فنسمعه كما نادى موسى وهذا كله حس، أليس السمع والبصر حس؟ والله يٌرى إذا شاء ويُسمع إذا شاء فإذا هو محسوس لكن في الآخرة وليس في الدنيا، فكيف تقول أنه ليس من المحسوسات ؟

فالوجود القابل للحس والعلم أكمل من الموجود القابل للعلم القلبي كالمعاني المحضة والمعدومات التي يستحيل أن تُرى وتحس أبدًا ولا تكون في أي مكان ولا توصف بأي زمان كأن يقال أنها "موجودة الآن" أو كانت موجودة قبل العالم أو قبل أي شيء غيرها! 

بل هي شيء يتوهم في القلب لا حقيقة له خارج الذهن أبدًا لأنه مثل الإله الذي تدعون له هذه الصفة السلبية أنه لا يوصف أصلًا بالداخل والخارج!

فضلًا عن أن يكون في أشرف الأماكن كما تقر به الفطر السوية وظواهر النصوص جميعها بأنه فوق كل شيء يختص بصفة أنه له أشرف الأماكن وهو العلو المطلق فوق كل خلقه وسماواته المخلوقة دون أرضه ومستو على عرشه بائن من خلقه يحدهم ولا يحده بالإحاطة شيء و هو  أكبر من كل شيء سواه سبحانه ، فهذا الكمال المطلق كما يقر به كل عاقل وكما هو ظاهر النصوص وإقرار الرسول والصحابة والتابعين دون مخالف سوى الجهمية أجدادكم

ثم أليس من السخيف أن نطرد قاعدتك ونقول كما أخرجت الله عن أن يكون محسوسًا حتى لا يكون من المحسوسات فأخرجه من أن يكون معلومًا حتى لا يشبه المعلومات واحجده بالكلية واكفر به وقل لا أعلم عنه شيئًا حتى لا يكون من المعلومات! فإن كنت ترى هذه الشبهة سخيفة كما حقها أن تٌرى فكلامك من جنسها لو تأملت!

قال الإمام البخاري في كتابه النفيس خلق أفعال العباد ناقلًا ومستدلًا: 

يقول: "وحذر يزيد بن هارون، عن الجهمية وقال: «من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي، ومحمد الشيباني جهمي» [ص:37]. وقال ضمرة بن ربيعة، عن صدقة، سمعت سليمان التيمي، يقول:

"لو سئلت أين الله؟ لقلت في السماء، فإن قال فأين كان عرشه قبل السماء؟ لقلت على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء؟ لقلت لا أعلم " قال أبو عبد الله: وذلك لقوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} [البقرة: 255] يعني إلا بما بين وقال ابن عيينة

ومعاذ بن معاذ والحجاج بن محمد ويزيد بن هارون وهاشم بن القاسم والربيع بن نافع الحلبي ومحمد بن يوسف وعاصم بن علي بن عاصم ويحيى بن يحيى، وأهل العلم: " من قال: القرآن مخلوق فهو كافر ". وقال محمد بن يوسف: من قال إن الله ليس على عرشه فهو كافر"

#الغيث_الشامي


إرسال تعليق