"ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه"

3 وقت القراءة


هذه القاعدة ذهبية في تزكية نفسك وتطويرها، اليوم كثير من النّاس يأتيني يقول لي والله أنا أحتاج للقراءة وطلب العلم وكذا، لكن لا أستطيع أن أركز في الطلب وليس عندي وقت وأنا أريد عندما أبدأ  أن أكون نشيطًا متفرغًا، وإن شاء الله أول ما تنحل مشاكل الكرة الأرضية فورًا رح ابدأ بطلب العلم : ).

هذه ما يتحدث عنه كثير من المشايخ والدعاة بارك الله فيهم ويسمونه "وهم الكمال"، أو ما أسميته سابقًا في مقال لي باسم "أسلوب الشكوى التفريغي" أو "كلام جمعات النسوان" مع احترامي للأخوات : )، لكن من باب المثال، جائت للقاضي الشرعي في الشام امرأة تشتكي أن زوجها يشتم الله وتارك للصلاة والصيام مع انه ينتسب للإسلام لكن الرجل تقريبًا يحاول جاهدًا أن يكون مثال على فكرة "تارك أعمال الجوارح بالكليّة" الله المستعان، فقال لها الإخوة انصحيه وإلا كان كافرًا ويبطل زواجك منه وتكون حياتك معه بالحرام والزنا والعياذ بالله، وطبعا هي وقفت معهم وتفاعلت فعلًا بشكل إيجابي ونصحته فامتنع ووبخها وكاد يضربها فهربت منه، وخبأها أحد الإخوة في بيته مع زوجته يعني وتحمّل أذى زوجها وحامى عليها وعدها بمثابة عرضه، ومع الوقت اكتشف أن الامرأة هذه كلمت زوجها على الهاتف وتصالحوا وعادت له بالسر فجاة دون أن يعرفوا، يعني هربت من منزل الأخ لزوجها السابق مع أنه لم تتغير أخلاقه وما زال يكفر وكل شيء، لكن هي كل ما كانت تفعله هو مجرد ردة فعل على مشكلة زوجية بينهم، لكن كانت تهولها، كثير من الناس هكذا للأسف، التزامه أو طلبه للعلم يكون ردة فعل تزول بزوال الدافع العارض هذا، وبنفس الوقت الشاهد الأساسي بالموضوع أن ما قامت به هذه المرأة كثير من النساء لا تقوم به أساسًا، بل قد تشتكي لك لمجرد التفريغ ولا تغير أي شيء في واقعها، وهذا الشخص الذي يقول لك أريد أن أطلب العلم ووقتي يضيع في الفراغ نفسه يفعل مثلها "كأن جارة تشتكي لجارتها"، لا يقوم بأي شيء، لأنه ينتظر ذلك الوقت الفارغ الأسطوري المثالي الذي سيتفرغ به ليكون ابن عثيمين الثاني!، وهذا الوقت لن يوجد، ستبقى تشغلك الدنيوات طوال حياتك، فلا تتشرط على ربّك، بعض طلب العلم هو فرض عليك وعلى كل مسلم في وضعك اليوم، والله بعضنا يعيش في دول الفتن تطرق باب قلبك وعقلك في كل مكان!، ها أنا أعيش في تركيا، وأنا شاب أعزب، وأدرس في جامعة، لنكن صرحاء، ألا نحتاج تزكية للنفس؟ وطلب علم وطلب ثبات وأصدقاء أصحاب سنة؟ ألست أنت مثلي أم مرفوع عنك القلم ولا تخشى على نفسك من الفتن؟!

فلا تطلب المثاليّات فلست مطالب بها، أنت ما تفعله تفعله لنفسك، في دنياك، تعمل مع أنك تعلم أن عملك ليس مثالي ولن يجعلك ملياردير في وقت قصير، لكنك تجمع القرش على القرش وتفني حياتك لأجله، ثم لا تفكر في آخرتك ونفسك!، ثم تحاول أن ترضي ضميرك بادعاء أن عندك نية لطلب العلم ثم أنت تؤجلها لأسباب أنت تعلم أنك لا تؤجل اشياء غيره لنفس هذه الأسباب، ها أنت تدرس لموادك الدنيوية ولو كان قد تبقى يوم واحد للامتحان ولا تقول لم يتبقى وقت وليس هذا وقت مثالي للدراسة!، أتأمن على نفسك أن لا تفتن غدًا صباحًا بما لا تحتسب؟

هذه دعوة لكم جميعًا يا إخوة، لا تشترط على ربّك، اقرأ ورقي أو pdf أو كتب صوتية أو محاضرات صوتية، أيّا كان، لست معذور، كل الطرق متوفرة اليوم وبسهولة فدعك من الأعذار التافهة.

في الحافلة، في الطريق، في أوقات فراغك ولو 5 أو 10 دقائق في اليوم، فالجبال من حصى والبحار من قطرات، "ما لا يدرك كلّه، لا يترك كله" وأنت غرضك ليس دنيوي، فما الذي يدفعك لأن تريد ان تصبح عالم في يوم وليلة؟ أنت مطالب ان تفعل ما عليك، ولو متّ قبل أن تصبح عالم تنفع الأمة فكان ماذا؟ الله يعلم نيتك والله سيجزيك بما تستحق، ولن تضيع الأمة بضياعك، فورائك أناس قيضهم الله في كل زمن يموتون ويعيشون لأجل السنة فلا تخف ولا تعجز، واعلم أن الغرب بحضارته المادية كلها لا يعدل "حدثنا" وأخبرنا" عن رسول الله وصحابته وتابعيهم! ولا قريب من ذلك! ولا يعلم شيئًا ثمينًا يعيش لأجله كما تعلم أنت، ومهما تطورت أحجارهم فإن نفوسهم التي بين جنباتهم وقلوبهم التي في صدورهم عفنة صدئة وأنت قلبك متصل بالسماء مازال فاحمد ربك على هذه النعمة واشرب من بحر هذا الدين وارتوِ منه بما استطعت.

هذه فضفضة أسال الله أن ينفع بها وينفعكم وينفعني بها

#الغيث_الشامي ستر الله عيوبه


إرسال تعليق