وصفه لمذهب اللفظية:
"المبتدع يرى الأجر واجباً بالتلاوة، ولكنه يرى الألف واللام والميم فعل اللسان، بعد ما يقول الله تعالى : لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ"
"المبتدع يُشير بهذه الحروف إلى قرآن سوى ذلك الكتاب، فقد صار القرآن عنده قرآنين: مجازاً، وحقيقة، المجاز عنده مخلوق."
"المبتدع يرى الحرف من الكتاب لا من القرآن ، فقد جعل لكتاب حروفاً مخلوقةً تُسمّى قرآناً نقرأ بها قرآناً ليس بذلك الكتاب"
ثم يجعل علامة السني:
"وصاحب الحديث لا يعرف قرآنًا غير هذا الذي يراه المبتدع مخلوقًا"
"ولا نقول : الم ذَلِكَ الْكِتَابُ فنشير بهذا القرآن إلى قرآن ليس بألف ولام وميم"
| كتاب الرد على من يقول الم حرف، تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع.
____
وهنا فرق دقيق بين مذهب اللفظية الكلابية والأشاعرة ومذهب الكرابيسية
أولا مذهب الأشاعرة:
هو الأخطر والأشد في البدعة لأنه مبني على أصول به تنفى كثير من الصفات وهي:
● منع حلول الحوادث (الأفعال الاختيارية الزمنية)
● القول بأن الله يتكلم بكلام معنوي نفسي بلا حرف ولا صوت ولا لغة
وأن الأصل في الكلام هو المعاني النفسية واللسان دليل عليها بالتالي فكل حرف وصوت هو ليس من الكلام إلا على باب المجاز إنما هو دليل على الكلام الحقيقي الذي هو معانٍ قائمة في النفس، وهذا في كل الكلام عندهم
وبالتالي فالحروف والأصوات المكتوبة بين دفتي المصحف بدأت من عند محمد أو جبرين عليهما السلام فهي في أصلها مخلوقة وكذلك أدائك لها مخلوق وكل مافي الأمر أنك تشير للمعاني القائمة في نفس الله بها
ففعل التلاوة عندهم الذي يظهر به الحرف والصوت كله مخلوق مع حروف القران سواء بصوتك أم في نفسها أو حيثما توجهت.
وللمعلومية فالحرف هو الصوت، وبعض الناس يظن أن الحرف هو الكتابة وهذا غلط، بل الكتابة هي رسم الحرف أما الحرف فهو الصوت المسموع وهو الكلام إذا قُصدَ به معاني
فنعم هناك صوت بلا حرف ولكن لا حرف بلا صوت لأن الحرف نوع من الصوت أصلا، وهذه قاعدة مهمة.
ولو قدرنا أنك قرأت الحرف على غير الصوت المناسب له فلن تكون قرأته هو بل قرأت شيئًا آخر، كأن تقرأ الباء بصوت الفاء.
والمذهب الثاني وهو الأقدم وهو مذهب الكرابيسي
شبهة الكرابيسي شبيهة بأحد شبهات وأصول الجهمية والمعتزلة
فهو لا ينفي الحرف والصوت على أصح الأقوال، لكنه وقع بمشكلة وقع بها بعض المعتزلة وهي تجسيم الكلام (وقد رد عليهم الدارمي في ذلك).
عندما قالوا أن الكلام يخلق في الهواء بلا متكلم، فقال لهم أهل السنة الكلام فعل المتكلم ولا معنى ان يقوم بنفسه صفة بلا موصوف وفعلا بلا فاعل!
سلم بعضهم بذلك فقالوا إذا يخلقه الله في الشجرة التي ناجى موسى عليه السلام ربه عندها، فرد عليهم السلف أنه لو كان الفعل مخلوقا في الشجرة كان ذلك من فعل الشجرة نفسها وإذا صارت الشجرة هي من قالت إني أنا الله كان ذلك عين الشرك.
فالفعل يقوم بالفاعل لا بغيره ويأخذ حكم الفاعل.
فطور اللفظية الحجة وقالوا نسلم لكم بذلك وسنقول أن الفعل عرض يأخذ حكم من قام به وكل شيء قام بغيره يأخذ حكم محله.
وأنتم تقولون إن القرآن في المصحف والمصحف مخلوق، إذا القرآن الذي حل في المصحف مخلوق
فكيف تردون علينا يا أهل السنة هذه المرة؟
فإن قلتم يبقى غير مخلوق مع كون المصحف مخلوقًا وهو وعاء له صرتم كالحلولية والنصارى!
فرد عليهم السنة برد متين: فقالوا لهم قد وقعتم بنفس شبهة سلفكم المعتزلة فجعلتم وجود القران في المصحف حلول وامتزاج!
وهو مكتوب في المصحف فالقران المكتوب بين الدفتين والمرسوم بين الدفتين هو نفس كلام الله، ومن لا يعرف القراءة والكتابة كالرسول مثلا فتكفيه تلاوته بلسانه، فلا يهم كيف يتلى وكيف يتوجه المهم أنه نفس كلام الله الذي قاله فوق سبع سماوات فهو القران المعروف وهو قران واحد لا ينشعب بصور كثيرة مهما تعددت المصاحف ولو احترقت كلها ما ضره شيء لان الكلام ليس جسم يمتزج بغيره ولا هو عرض كاللون والرائحة والطعم بل هو كلام يتناقل فأدائه ليس خلقا وابتداءً له بل يبقى كلام الله غير مخلوق ولو أداه المخلوق
فهو كلام الخالق الغير مخلوق يؤديه المخلوق وظهوره في الأرض بمخلوقات أقدرها الله أن تؤديه لا أن تبتديه، فأين الحلول؟
الحلول أن يمتزج جسم بجسم والقران ليس بجسم، فهو يظهر بحركة الألسن وكتابة الكتاب وأصوات العباد.
فمذهب الكرابيسية باختصار هو استغلال إجمال قول أهل السنة أن القران ليس بجسم، فيجعلونه عرضًا أو صفة كاللون والطعم يأخذ حكم ما قام به فيصير القران بحركات العباد وأصواتهم مخلوق لأنه قام بمحل مخلوق.
وقد ذكرت رد أهل السنة عليهم أعلاه فلا أعيد.
وهناك طبقة هي طبقة الحلولية (حلول خاص)
وقد ظهرت اليوم عند الأثرية الزائفة وهي عكس لمذهب الكرابيسي وحقيقتها ابتلاع شبهته، فيقولون القران شيء قائم بنفسه يمتزج مع الأوعية التي يظهر بها فتأخذ حكمه هي لا أنه هو من يأخذ حكمها فحال كتابة القران على ورقة لا يصح بعدها أن يقال أنها مخلوقة بل لو قيل غير مخلوقة لكان أهون وأن النهي عن ذلك من باب المناهي اللفظية لا أن معناها بدعي!.
وأنه لا فرق بين حقيقة الكلام وبين ما كُتب به وعليه وما ظهر به وأداه العبد به.
فلا فرق بين القران واللسان ولا الحركات التي ظهر بها، وحجتهم نفس حجة الكرابيسي وهي (الامتزاج) ونحن نقول القران من الله فهل يصح عندكم أن يقال إن بعض الله امتزج بخلقه؟!
بل نقول إن كلام الله ظهر بأداء خلقه وهذا هو التعبير الصحيح ودعكم من بدعة الامتزاج هذه
ولديهم حجج عقلية مثل قولهم إن التفريق بين حقيقة الكلام والأداء تفريق ذهني وهذه الحجج ليست أثرية أصلا وأنتم ليس لكم باع في المعقول.
فلا يجب أن يكون الفرق محسوسا بالعين بل يكفي أن يكون مفهوما فالفرق حقيقي بين من يقول كلاما يبتديه وبين من ينقله عنه وإلا ما فائدة قولنا أن القرآن بدأ من الله!
ومن شرح قوام السنة الأصبهاني لهذه المسألة أنه قال بما معناه أن القرآن ليس هو حركة اللسان بل ما يظهر بحركة اللسان ويخرج من الفم مسموعا
فيقول:
"قَالَ أهل اللُّغَة: اللَّفْظ فِي كَلَام الْعَرَب الْإِخْرَاج. يُقَال: لفظت الشَّيْء عَن الشَّيْء: أخرجته مِنْهُ. فاللفظ: كَلَام مخرج عَن الْفَم، لَهُ معنى يفهمهُ السَّامع وَإِذا لم يكن هَكَذَا لَا يسمونه لفظا.
يَقُولُونَ: لفظ فلَان صَحِيح، أَي كَلَامه صَحِيح. قَالَ الله تَعَالَى: " مَا يلفظ من قَول} . أَي: لَا يتَكَلَّم بِشَيْء، فَدلَّ هَذَا عَلَى أَن اللَّفْظ قَول وَكَلَام. وَالْعرب تُرِيدُ بِاللَّفْظِ الملفوظ، لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ مصدرا فالمصدر فِي الْحَقِيقَة مفعول بِهِ لِأَن الْفَاعِل يَفْعَله، فعلى هَذَا حَقِيقَة اللَّفْظ مَا يُخرجهُ الْإِنْسَان من فَمه"
فيقول أن اللفظ هو الألفاظ وهي نفس حروف وأصوات الكلام وليست هي نفس حركات اللسان إنما حركات اللسان هي ما بها نؤدي نحن البشر هذه الألفاظ والأصوات بشكل صحيح ولو اختلت هذه الحركة لخرجت الأحرف بشكل خاطئ مثل التلعثم، والله يتكلم ولم يخبر أنه له لسان يحركه!
بل وأيدينا وأرجلنا تتكلم يوم القيامة بلا لسان ولا شفتين.
هذا والله أعلم
#الغيث_الشامي