فائدة في فلسفة الأخلاق حول (أخلاق العار)

هناك قسمة في فلسفة الأخلاق مدارها حول بنية وحضور الرؤية الأخلاقية لمجتمع معين، هل هي بنية نظرية أم عملية

فالنظرية تعتمد على كتاب معين يرجع إليه ويتم التحاكم إليه وفيه نصوص وقواعد كلية تنزل على الجزئيات بغض النظر عن مدى مرونة هذه القواعد وتجاوبها وتكيفها مع الجزئيات المتغيرة.

أما الثقافات العملية هي ثقافات موروثة بشكل عملي لا ترجع لكتاب معين ولا قواعد معينة منصوصة إنما لعرف وعادات، أي ما يسمى "سوالف البدو"، "العادات والتقاليد"، "الأصول"، إلخ.

وهذه ليست مذمومة بإطلاق بل لا يعرف مجتمع بشري يخلُ منها، لكن المقصد الآن أنها ثقافة لا تكون مبنية على دين معين بحيث تكون منصوصة في كتاب على شكل قواعد ووصايا دقيقة، إنما هي مبنية على أنك إن خالفتها فسيلحقك العار، وغالبًا لا يفكر المجتمع لفترة طويلة حول سبب كونها على ما هي عليه، فهي غالبًا ما لا تكون جميع مضامينها فطرية بل فيها أجزاء تفصيلية شعبية تخص تاريخ وثقافة هذا البلد.

والمشكلة أن البعض يقدمها على الدين مع أنها ليست شيء موضوعي إطلاقًا إلا إن كانت مستندة إلى مرجع موضوعي ثبت بدليل صحيح أن القيم المعيارية التي يقدمها يصح التحاكم إليها، كالكتاب والسنة مثلًا.

ومن مشاكلها كذلك أن أفراد المجتمع الذي يتحاكم إلى العار وهي غاية العقاب عنده قد ينتشر فيه الرياء بحيث ما إن يخرج الفرد من هذا المجتمع إلى مجتمع آخر حتى ينسلخ بالكلية من تلك القيود التي لم يكن يجد أي مسوغ للانقياد لها سوى الضغط الاجتماعي المحض.

ومع ذلك فمن باب الإنصاف، هذه الفلسفة موجودة بكثرة في المجتمعات الجاهلية ومازال لها أثر حتى في المجتمعات المتدينة، وبعضها يكون فعلا صحيح بناء على طبيعة المجتمع وما يليق فيه وما لا يليق من الأفعال، وبعضها يكون أثرًا عن الفطرة السليمة وله أصل ديني صحيح، فلا يجوز محاربة العادات والتقاليد من بابها إنما يجب محاكمتها للكتاب والسنة والمصلحة والمفسدة.

فمثلًا من العادات والتقاليد التي باتت مضرة وضررها أكبر من نفعها بكثير وهي مبنية على ثقافة العار هي احتفالات الزفاف الباذخة لأبعد حد وتبريرها الوحيد هو أنك إن لم تفعلها فسيلحقك العار.

هذا والله أعلم

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق