بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فالتعليق الثاني على المناقشة التي حصلت بيني وبين السفيه المتمشعر على الكلوب هاوس يتلخص في نقاط أحببت أن أنشرها لتعم الفائدة:
1: ادعى المعارض أن عدم وجود دليل معنا على صحة مذهبنا في التحسين والتقبيح العقليين يلزم منه صحة مذهبه بعدم وجود تحسين وتقبيح عقليين، ومن المعلوم أن هذا استدلال بالجهل! إذ عدم معرفتك بالدليل لا يعني عدم وجوده ولا يعني صحة مذهبك من باب أولى!.
بل إن زعمك أنه لا يوجد أي مفهوم قبيح أو حسن لذاته علمناه أو جهلناه سواء في علم الإله او علمنا، فهذه دعوى كبيرة تحتاج دليل بحجمها وأنت لم تقدمه!
2: أنت وضعت شرط أن آتي لك بمعيار ترجع إليه كل عملية تحسين وتقبيح عقلي رجوع الفرع إلى أصله وطبعا انت تحارب رجل قش لأننا نزعم أن كل تحسين وتقبيح عقلي داخل في مجموعة من الكليات المنفصلة التي يجمعها قدر مشترك أنها كلها تسمى تحسين وتقبيح عقلي، أي نقبح الظلم وهو مفهوم كلي وتقبيحنا له غير تقبيحنا للكذب وكلاهما تقبيح!، تريدني أن أعطيك معيار أصلي، ثم ستقول لي ولماذا تزعم أن هذا المعيار بدهي أخلاقي حسن لذاته، أنا لا أراه كذلك، فأنت وضعت لي شرط تعجيزي من أصل المسألة أصلًا وهذا سخف كما ترى، يعني أنت زعمت أنني إذا أتيتك بشيء ممتنع فستقتنع معي وأنك لن تقتنع إلا إذا أتيتك بهذا الشرط الممتنع، وهذا حصر مخادع لأنك زعمت أن هذا الدليل الوحيد الممكن للمسألة وأنك تنتظره مني ثم هو على التحقيق يخالف مذهبي وأنت ستتسلسل في السفسطة والمكابرة وقد كان تحقيقًا.
فكما تسفسط على آحاد عمليات التحسين والتقبيح البدهية، ستسفط أيضًا على أصلها البدهي الذي تقوم عليه إن قدرنا أنني أتيتك به ولا فرق! لأنك متلبس بآفة الكبر نسأل الله السلامة والعافية في ديننا وعقولنا.
3: أما وقد طالبتنا بالدليل فنحن نزعم أن المسألة فطرية لا تفتقر إلى استدلال أو نظر، العقل يدرك حسن بعض الأشياء وقبح بعض الأشياء، كحسن التوحيد وقبح الشرك، وحسن العدل وقبح الظلم، وحسن الحياء وقبح قلة الأدب والسفه، ويدرك مفهوم الخير بشكل كلي مجمل ومفهوم الشر، ومفهوم النقص والكمال، فيما يتعلق بالصفات الذاتية والفعلية.
لكن نحن سنستخدم القياس العكسي كدليل لمذهبنا من باب النقض والإلزام عليك، دعنا نتفق أن هناك مذهبان متناقضان، إما أن العقل يحسن ويقبح، أو أنه لا يحسن ويقبح، لا ثالث لهما كما ترى، ولو اختلف تفصيل كل قول لكن العناوين العامة لا ثالث لهما، كيف يقبح أو ما حدود ذلك هذا نقاش آخر، لكن نحن الآن نتحدث من حيث كونه يحسن ويقبح أيًّا كان.
إن قلت أنه لا شيء قبيح وحسن لذاته، رميتها هكذا دعوى بلا دليل طبعًا، ولن تستطيع أن تأتي بدليل عليها أبدًا وليس لك إلا أن تتذرع بأن خصمك ليس عنده دليل وهذا من ضعف قولك، لكن على أية حال، هذه الدعوة المرسلة تقتضي أن يكون الإله يمكن أن يفعل كل مقدور إذ لا يقال حينها أنه لن يريد إلا الأفعال الحسنة لكماله سبحانه، بل يمكن أن يفعل الكذب والخداع ويأمر بالاغتصاب والقتل بغير حكمة ولا حق (ولو أنهم يتناقضون في هذا لكن لا أحتاج بيان هذا الآن)، وقد التزمه معي أحد الأشاعرة تحقيقًا!
فعلى هذا أليس من الممكن أن يخلق الإله عقلًا بفطرة وضرورات فاسدة توهم صاحبها أنه سليم معافى وأنه يصحح أشياء ويبطل أشياء ويبده أشياء كلها فاسدة وهو موهوم في هذا كله!
بلى والله يلزمكم، إذ لن يكون في هذا نقص لهذا الإله أبدًا ليتنزه عنه بعدم فعله!، فكما تجوزون أن يدخل الأنبياء النار فجأة، فكذلك من الجائز أن يخلق ضرورات عقلية فاسدة في عقل أحدكم أنتم تحقيقًا، ولا مانع عقلي عندكم من هذا أبدًا، وهذا يلزم منه الشك بالعقل فينتقض مذهبكم كله الذي تزعمون أنه ما أوصلكم إليه إلا النظر العقلي المستقيم وأنه الحق في نفس الأمر!، ومن ثم يلزم منه التناقض حيث أن الشك بالعقل هو قرار عقلي يستصحب إلتزام ذلك الشك من المقدمات الذي قدمتها لكم آنفًا، وهنا إما أن تشكوا بالعقل فتكونوا قد صدقتموه وهذا نقيض شككم، فتكونوا شككتم ولم تشكوا! وهذا جمع النقيضين، وإما أن لا تشكوا فتكونوا كذبتم العقل في تجويز الشك واستواء الطرفين، ومن ثم أيضًا شككتم بالعقل ولم تشكوا، وكذلك جمعتم النقيضين، وعلى كلا التقديرين يستحيل أن تطردوا مذهبكم دون الوقوع بهذا التناقض، وبالتالي إذا لزم من مذهبكم التناقض عرف بطلانه وثبت بالقياس العكسي المذهب النقيض له وهو وجود التحسين والتقبيح العقلي وأن الله منزه بإرادته أن يريد سبحانه أن يفعل النقص لأنه كامل لا يصدر عنه إلا الأفعال الكاملة التي هي أثر عن كماله سبحانه، تكون أفعالًا لحكمة وكلمات له صدقًا وعدلًا وإرادات لتدبير العالم بالعدل والفضل والكرم والجود وأوامر تتنزل على الملائكة فيها من الحكمة والكمال مافيها، فالحمد لله أولًا وآخرًا على مذهب أهل السنة، وقبحًا لمذهبكم الفاسد هذا!
وأنا أنقل لكم على لسانه وأقسم لكم أنه قالها "قال لي بالحرف: أنه لا يجد سببًا عقليّا يحمله على أن يقول أن اغتصاب والدته أمر قبيح عقلًا لذاته!"، ولولا أن الشرع قبحه لما استقبحه عقلًا!.
فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله، أسال الله أن يشغل هؤلاء الأشاعرة السفهاء في أنفسهم وأن يخلص الأمة من شرهم عاجلًا غير آجل.
#الغيث_الشامي