باب في احتجاج آدم على موسى عليهما السلام بالقدر - الجزء الثاني

أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم مولى بني هاشم، ثنا أبو أمية الطرسوسي، ثنا أبو الوليد، ثنا عكرمة بن عمار، ثنا يحي ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، حدثني أبو هريرة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"تحاج آدم وموسى فقال آدم لموسى: أنت الذي اصطفاك الله على خلقه وفضلك برسالته، ثم صنعت الذي صنعت، النفس التي قتلت، قال موسى لآدم: فأنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته وأسكنك جنته ثم فعلت الذي فعل (لولا ما فعلت) دخلت ذريتك الجنة، فقال آدم: تلومني في أمر قد قدر علي قبل أن أخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حج آدم موسى" .

[ابن منده محمد بن إسحاق ,من عقائد السلف (الرد على الجهمية) ,صفحة 214]

_____

قلت:

■ فالاحتجاج من وجهين: 

● أن الله هو مسبب الأسباب التامة :  لحدوث الحادث المعين وكل ما يترتب ويتولد عنه:

وجه نسبة الحدث بكل ما ترتب عليه للعبد، وهذا قد يقوله البعض دون أن يقصده بقوله "لولا كذا وكذا لما حصل كذا"، وكأن السبب الذي أدى لحدوث الحادث هو خالقه بلا افتقار لأي سبب! أبدًا، إنما هو جارٍ على أسباب وسنن لولا أن اجتمعت مع ارادته وانتفت الموانع لما حدث ما حدث ولما تولد عنها ما تولد وطالما أن الله شاء ذلك فإذا هذا مقدر لا يتخلف ولم يكن هناك احتمال ان لا يحدث حتى يقال لولاك لما حصل كذا، بل إن جميع ما تولد عن الحدث سيخلق فيه وبدونه لكن الله شاء أن يكون به لحكمة عنه.

فآدم لا يحتج عليه بارادته المعصية (المعائب) إنما بشؤم هذه المعصية وما تولد عنها من (مصائب) فهذا بأمر الله لم يكن ليتخلف، وحتى علم الله بأن الأحداث الفلانية ستكون سببا في إرادتك لكذا وكذا وتقديره لها هذا لا يتخلف وهو من أمره الكوني وهو لا يستلزم المحبة للشيء نفسه إنما للحكمة من ورائه فالكلمة من كمالات الله سبحانه.

● الوجه الثاني: حتمية وقوع القدر كما هو في علم الله ومشيئته

إذ لو أن آدم لو قدرنا أن عاد به الزمن وغير فعله هنا أو هناك ظنا منه بتقديره أن هذا سيغير ما كتبه الله قدرا من قبل خلقه فلن يكون بيده شيء وبعلمه أو غفلة منه سيجد القدر وقع تحقيقا كما شاء الله، ونقول فيه كما نقول في الموت، يأتيك ولو كنت في بروج مشيدة.

ولذلك نحن نخاف من مكر الله بالعصاة من خلقه حيث أنه يستدرجهم بحبهم للمعاصي بأن يفتح لهم أبوابها وأسبابها مع علمه سبحانه أنه لو فتحها عليهم بما يحبون لوقعوا فيها بكامل إرادتهم وهذا ليس فيه جبر إنما ابتلاء واختبار واستدراج لمنزلتهم ولما هم أهل له من الأفعال وما يترتب عليها من العقاب بعدل الله سبحانه.

#الغيث_الشامي


إرسال تعليق