دليلٌ عظيمٌ على النّبوة من كلام شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله

3 وقت القراءة

ذكر ابن القيم في كتابه النفيس الصواعق المرسلة طرفًا من مناظرة جرت بينه وبين نصراني فقال:

"الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (1/ 327)

قريب من هذه المناظرة ما جرى لي مع بعض علماء أهل الكتاب فإنه جمعني وإياه مجلس خلوة أفضى بيننا الكلام إلى أن جرى ذكر مسبة النصارى لرب العالمين مسبة ما سبه إياها أحد من البشر فقلت له وأنتم بإنكاركم نبوة محمد قد سببتم الرب تعالى أعظم مسبة قال وكيف ذلك قلت لأنكم تزعمون أن محمدا ملك ظالم ليس برسول صادق وأنه خرج يستعرض الناس بسيفه فيستبيح أموالهم ونساءهم وذراريهم ولا يقتصر على ذلك حتى يكذب على الله ويقول الله أمرني بهذا وأباحه لي ولم يأمره الله ولا أباح له ذلك ويقول أوحى إلي ولم يوح إليه شيء وينسخ شرائع الأنبياء من عنده ويبطل منها ما يشاء ويبقي منها ما يشاء وينسب ذلك كله إلى الله ويقتل أولياءه وأتباع رسله ويسترق نساءهم وذرياتهم.

- فإما أن يكون الله سبحانه رائيا لذلك كله عالما به مطلعا عليه أو لا. فإن قلتم إن ذلك بغير علمه واطلاعه نسبتموه إلى الجهل والغباوة وذلك من أقبح السب!

- وإن كان عالما به رائيا له مشاهدا لما يفعله فإما أن يقدر على الأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا. 

- فإن قلتم إنه غير قادر على منعه والأخذ على يده نسبتموه إلى العجز والضعف وإن قلتم بل هو قادر على منعه ولم يفعل نسبتموه إلى السفه والظلم والجور!

 هذا وهو من حين ظهر إلى أن توفاه ربه يجيب دعواته ويقضي حاجاته ولا يسأله حاجة إلا قضاها له ولا يدعوه بدعوة إلا أجابها له ولا يقوم له عدو إلا ظفر به ولا تقوم له راية إلا نصرها ولا لواء إلا رفعه ولا من يناوئه ويعاديه إلا بتره ووضعه فكان أمره من حين ظهر إلى أن توفي يزداد على الأيام والليالي ظهورا وعلوا ورفعة وأمر مخالفيه لا يزداد إلا سفولا واضمحلالا.

ومحبته في قلوب الخلق تزيد على ممر الأوقات وربه تعالى يؤيده بأنواع التأييد ويرفع ذكره غاية الرفع هذا وهو عندكم من أعظم أعدائه وأشدهم ضررا على الناس فأي قدح في رب العالمين وأي مسبة له وأي طعن فيه أعظم من ذلك.

فأخذ الكلام منه مأخذا ظهر عليه وقال حاش لله أن نقول فيه هذه المقالة بل هو نبي صادق كل من اتبعه فهو سعيد وكل منصف منا يقر بذلك ويقول أتباعه سعداء في الدارين قلت له فما يمنعك من الظفر بهذه السعادة فقال وأتباع كل نبي من الأنبياء كذلك فأتباع موسى أيضا سعداء.

قلت له فإذا أقررت أنه نبي صادق فقد كفر من لم يتبعه واستباح دمه وماله وحكم له بالنار فإن صدقته في هذا وجب عليك اتباعه وإن كذبته فيه لم يكن نبيا فكيف يكون أتباعه سعداء فلم يحر جوابا وقال حدثنا في غير هذا فانظر هذه الموازنة والمشابهة بين مالزم الجهمية النفاة من القدح والطعن في المتكلم بنصوص الصفات وما لزم منكري نبوة محمد من الطعن والقدح في الرب تعالى.

إذا ضممت هذا إلى ما يلزمهم من الطعن في كلامه وأمره واشتماله على ما ظاهره كفر وضلال وباطل ومحال علمت حقيقة الحال وتبين لك الهدى من الضلال والله المستعان."

انتهى كلامه رحمه الله

__

قلت: فالله سبحانه لا يمكن له أن يؤيد الكذاب الذي كذب عليه فأضل الناس في الدنيا والآخرة وأبطل كل شرائع وختم كل النبوة من بعده حتى لا يمكن أن يحصل إصلاحٌ لما فعل، فيجمع له كل أدلة الصدق وينفي عنه كل أدلة الكذب وينصره وأصحابه في الدنيا بالحقائق والقوة والرعب والمعجزات ولا يجري التوحيد والدين الموافق للفطرة إلا على لسانه فلا يعبد وحده على الأرض أبدًا ولا ينزه كما حقه أن ينزه في الأرض أبدًا إلا على لسان أكذب الناس! فهذا من أقبح التنقص والعيب على الله سبحانه وهو العليم الحكيم الذي لولا وثوقنا بعلمه وحكمته ما وثقنا بعقولنا وأبصارنا التي في رؤوسنا! فتأمل..

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق