قول أهل السنة في لفظ الحركة

4 وقت القراءة


أهل السنة والجماعة كلهم يثبتون النزول الحقيقي بمعنى الهبوط أو النزول من أعلى إلى أسفل، ولكن بلا تفصيل لذلك وبلا تشبيه وكذلك ان الله استوى على العرش بعد ان لم يكن قد استوى عليه، فصار مكانًا له بمعنى العلو المخصوص والاستقرار والجلوس، وانه يأتي يوم القيامة بعد أن لم يكن قد أتى لمكان أهل الحساب فيحاسبهم وأن الملائكة تأتي قبله ثم يأتي.

واختلفت العبارات، فمنهم من عبر بالانتقال والحركة والزوال من مكان الى مكان ومنهم من نفاها ومنهم من توقف، والأمر بينهم طبقات:

1) الجمهور قالوا أن الله يتحرك بمعنى أنه ينزل حقيقة بمعنى أنه يصير في مكان لم يكن فيه بمعنى انه نزل اليه بعد ان لم يكن فيه، لان الله يكون في مكان بعد ان لم يكن فيه لأنه ببساطة الله ليس في كل مكان!، لكن هذا لا يقتضي أنه قد زال من مكانه الأول، إذا قصدنا أن مكانه الأول هو العرش فهو لا يخلوا منه، ألست ترى في المخلوق أنه قد ينزل الى الأرض ويلتقط شيء دون ان يحل فيها وهو جالس على كرسيه لا يقوم منه، فيقال هو تحرك من مكان الى مكان دون ان يزول من مكانه وهو الكرسي، فإن كان ذلك جائزًأ في المخلوق كان في الله أولى وأكمل ولا يشابه المخلوق.

فقالوا الجمع ممكن، ينزل ويتحرك كما شاء من مكان إلى مكان ولا يخلو منه المكان الأول إذا صار في المكان الثاني ويتحرك بإرادته وليس كالأصنام.

بل قالوا إن الحركة بعد الحركة مع القدرة عليها مع المشيئة هذا من لوازم الأحياء وما يميزهم عن الجمادات والأصنام.

2) الطائفة الثانية وهم قلة، قالوا سننفي الانتقال لاننا تتوجه أذهاننا إلى خلو العرش اذا قلنا انه هو مكان الله اي انه هو الذي استوى فوقه بعلو مخصوص، ولا نقول انه ينزل بحيث يخلو منه العرش ويصير بعض مخلوقاته فوقه، فهذا ننفيه وننزه الله عنه، وهم في هذا الخلاف بينهم وبين الطائفة الأولى لفظي فقط، باعتبار ما تبادر إلى ذهنهم من لفظ الحركة المركب من أكثر من حقيقة (وهو الانتقال من مكان إلى مكان بمعنى انه يتحرك إلى مكان لم يكن فيه "أي بالنظر إلى المكان الثاني") والثاني (بالنظر إلى المكان الأول أنه مازال فيه مع حركته إلى المكان الجديد أيضًا)، فطائفة قدمت الثاني على الأول وطائفة قدمت الأول على الثاني لان لفظ الحركة يشملهم جميعًأ، كلهم قالوا عند التفصيل انه ينزل ولا يخلو منه العرش ولم يفوضوا النزول بل قالوا نزول حقيقي وهبوط حقيقي ففهم أنهم قصدوا ذلك المعنى.

وسأضرب مثال أخير، هب أنك جالس على كرسي متحرك في غرفة ثم جاء احد ودفعك إلى خارج الغرفة بقوة. فأنت هكذا تحركت وصرت خارج الغرفة وانتقلت من غرفة إلى غرفة مع بقائك على الكرسي في مكانك، لأن حقيقة الحركة نسبية بمعنى أنها تنسب الى شيء دون شيء، فيقال هو جالس ساكن على الكرسي ومع ذلك هو يتحرك بالنسبة للأرض.

فلا تثبت ولا تنفى هكذا إنما يستفصل، فنثبت أصل أن الله يتحرك إذا شاء متى شاء، وأما حركة معينة ومعناها فلا ننفي ولا نثبت إلا ما أثبته الله لنفسه

الطائفة الثالثة: قالت ينزل ويخلوا منه العرش ولا نعقل نزولا الا بانتقال من مكان الى مكان بحيث يكون في ثلث الليل الاخر ليس على العرش، وهذا قول ضعيف

وطائفة قالوا) لا نقول يخلوا ولا نقول لا يخلوأ، وهؤلاء قولهم ايضا ضعيف، لان الجمع ممكن والله قال انه على العرش وقال انه ذو العرش، وقال انه فوق سبع سماوات، تعرج إليه الملائكة، والرسول أصعد عليه، ومع ذلك هو الذي قال انه ينزل ولا يعجزه الجمع بينهم وهو رب العالمين سبحانه، فلا تتوقف فيما قاله الله نفسه وقل كما قال، فهو الذي قال ينزل وهو الذي قال على العرش، والجهة منفكة بين اثبات النزول واثبات خلو العرش كما بيننا، كما يقال، فلان واقف ويتكلم، فهل وقوفه ينافي كلامه؟ لا ولا تناقض ولا تعارض، وكذلك يقال في النزول والبقاء على العرش.

والسلف فرقوا بين نزوله وإتيانه يوم القيامة الذي تتشقق منه السماوات وتبدل الأرض فيه غير الأرض لأن الله لا يأتي لمكان فيه معاصي، ويكون فوقها بلا سماوات، أي فوق الأرض وليس فوقها سواه لأن السماوات تشققت، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة، وبين نزوله في الدنيا الذي لا يقتضي تبديل الأرض ولا تشقق السماوات وزوالها بل هي باقية فوق الأرض ولا فرق لكن تتفتح أبوابها.

ولا يمتنع أن الله لو أراد أن يخلو منه مكانا مخصوصًا كان فيه أن يذهب إلى مكان آخر، وهذا ليس هو المكان المسمى (العلو المطلق) بل هو ما سماه العلماء العلو المخصوص وهذا يتغير، لان العلو المطلق يمتنع أن يخلو من الرب سبحانه، لكن العلو جهة عدمية هي نفس مكان الرب حيث أراد أن يكون سبحانه، لذلك قلنا كل هذه الالفاظ مجملة

نحن نقول الحركة يلزم منها ان الرب ياتي او ينزل الى مكان لم يكن هو فيه ولا يقتضي ذلك خلو المكان الاول بالضرورة (إلا لو شاء رب العالمين ذلك ولا يعجزه كذلك)

لان الله يكون في مكان دون آخر بمشيئته سبحانه كما قال السلف هو فوق عرشه فوق سماواته دون أرضه. وأنه فوق العرش وليس ها هنا معنا! كما هو قول الحلولية.

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق