احتجاج سيدنا آدم بالقدر على موسى عليه السلام

3 وقت القراءة


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حاجَّ مُوسَى آدَمَ، فقالَ له: أنْتَ الذي أخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الجَنَّةِ بذَنْبِكَ وأَشْقَيْتَهُمْ، قالَ: قالَ آدَمُ: يا مُوسَى، أنْتَ الذي اصْطَفاكَ اللَّهُ برِسالَتِهِ وبِكَلامِهِ، أتَلُومُنِي علَى أمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَنِي - أوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَنِي - قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى.

صحيح البخاري | 4738

ووجه الاحتجاج بالقدر هنا في أمرين صحيحين، وثم سنبين وجه خاطئ قد يفهم من الحديث. 

الوجوه الثلاثة:

● وقوع الحدث المقدر :

وهو وجه احتجاج صحيح ومعناه، أن وقوع المعصية مني هذا مقدر، فالإنسان مخلوق ضعيف وخطّاء، فالخطأ المعين يلام عليه ويعاب عليه، لكن مبدأ كون الإنسان خطّاء لا يلام عليه فهو سنة في خلق الله للبشر، 

والوجه الثاني: هو أن وقوع هذا الخطأ نفسه مقدر لا يمكن دفعه بعد حصوله، مع كونك لم تكن تعلم بذلك قبل ان يقع وقد فعلته بارادتك، لكن بعد الوقوع وتمام الفعل قد علمت أنه طالما قد حصل بالفعل فإذا هو مقدر ولم يكن بإمكانك توجيه الأحداث لغير هذا، وعليك الاستغفار والحذر في المستقبل، وهذا ليس فيه جبر، إذ الله هيئ لك أسباب لهذا الذنب المعين هو يعلم أنها إن تهيئت لك كانت سببًا في فعلك للمعصية الفلانية لعدم وجود مانع لها في نفسك، وثم علمك بضعفك بعد وقوعك بالذنب يكون دافعًا لك للبحث عن موانع ذلك من التوبة والاستغفار.

فالله قد قدر لك أن تجتمع لك أسباب تلك المعصية التي ليس في نيتك دفعها حال وقوعها أو لم تجهز نفسك وتقويها على دفعها حال وقوعها، ولذلك فالله حذرنا من اتباع خطوات الشيطان لعلمه بضعفنا وأنه سبب في وقوعنا في المعاصي حال توفر أسبابها وسلوك خطواتها.

فإذا، هنا الفعل والضعف ينسب لك إرادة وقصدًا واستطاعة، أما تقدير الحدث بالكلية وتهيئة أسبابه على أمر قد فرغ منه لغايات وحكم قد قدرت تقديرًا، بحيث يترتب عليها من الأحداث بعدها ما يترتب، كما في هذه الحالة إهباط آدم على الأرض فينسب لله سبحانه وهو القدر الكوني.

● المصائب : 

وكذلك هو احتجاج صحيح، إذ احتج آدم على موسى بأن الله قد قدر أن يحمل آثار هذه المعصية كل ذريته ولله الأمر من قبل ومن بعد.

وهذا مسلك سهل في الاحتجاج وواضح وقريب من الأذهان.

● الإرادة "المعائب" :

وهذا وجه خاطئ في الاستدلال وهو مسلك الجبرية:

فنحن لا نقول إن آدم زعم أنه حال إرادته للأكل من الشجرة كان مجبرًا، بل أراد أكلها بعد أن اقتنع بذلك الفعل وزُيّن في عينه لأسباب كثيرة قد حصلت كان ممكنا له في الاستطاعة أن يدفعها لكنه لم يفعل ذلك مع كون ذلك ليس ممتنعًا عليه، فلا يمكنه أن يقول انني لا استحق الذم او العقوبة على فعل لم اقترفه لأنه بالفعل قد اقترفه مع كون الله قد هيئ اسباب اقترافه إياه ولولا ذلك لم يستطعه، لكن ليس في هذه الأسباب ما يجبره وينفي إرادته، إنما كانت هذه الأسباب تقنع المحل القابل المريد للذنب المعين أن يقترفه "ولنقل أنها أسباب مغرية" يضعف الإنسان القابل لذلك أمامها، وهو حال آدم حينما زين له الشيطان أكل هذه الشجرة، ثم بعد ذلك تاب فصار محلًا قابلا لمغفرة الله عز وجل، فتاب عليه وهو التواب الرحيم سبحانه.

وخلاصة الفرق بين مسلك أهل السنة والجبرية:

أن الاحتجاج بالوقوع يكفيك فيه ان تقول: 

لأن الله هيئ الأحداث بحيث يكون يوقعني بفتنة تكشف لي ضعفًا في نفسي، فبسبب هذا الضعف في نفسي وإرادتي، لم أُرد أن أنصرف عن هذه المعصية حينها بل اقبلت عليها كما قدر الله عز وجل، وان شاء الله سأتوب عن ذلك وأصلح هذا الضعف وأصلح النية وابتعد عن مواطن الفتنة وبذلك أعصم نفسي باذن الله عن الوقوع فيها مجددا

بينما المجرم الجبري: لا يقول انا لم ارد ذلك حينها وكان ذلك اختياري لضعف في نفسي.

> إنما ينفي عن نفسه القدرة أصلا على الإرادة بالكلية وينفي الاستطاعة عن نفسه، وهذا فيه جحد ومكابرة للضرورة واتهام لله بالظلم كما يفهم ذلك من كلامه كل عاقل سليم النفس من الأهواء.

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق