العواقبية المحضة وهي أن تكون الافعال لا تفترق بقيمة ذاتية عن غيرها ولا في العزم على الأفعال الأخلاقية فضلٌ أخلاقي لصاحبه، ولا يكون الشخص ممدوحًا أخلاقيا إلا بعد تمام فعله والنظر في عواقبه، بل كلها من حيث الاصل سواء ولكن العاقبة من اللذة والالم العائدة للشخص هي الحاكمة عليها بالقبح والحسن في حقه فقط.
الواجبية وهنا تحديدا المرنة والصواب في المسألة على عقيدة أهل السنة والجماعة:
وهي التى ترا تناغما بين الدافع المعنوي الحسن لذاته جوهريّا لسلوك فعل معين وبين عاقبته فترى انه لا بد ان فعل الحسن يؤدي للحسن إلا اذا ظهر خلاف ذلك بشكل واضح (وهذا ومبني على أن الله سبحانه الحكيم لا يرتب على الحسن إلا الحسن ولا يرتب على القبح والفساد إلا عاقبة من جنسه) فلا يجعل المحسنين كالمجرمين وهذه معرفة شرعية وعقلية فطرية معتبرة.
ولا معنى لاعتقاد حسن معانٍ لذاتها دون الاعتقاد الملازم لذلك من وجود الباري كامل الصفات وأنه متصف بأكمل صورها كذلك (وهذا لا يلزم منه أن دافعنا في عملها هو "التشبه بصفات الإله" هكذا بإطلاق بل للأمر تفصيل شرعي فهذه جملة صيغت صياغة قبيحة لكن معناها قد يحمل معاني صحيحة ومعاني باطلة ونحن وسط بين الماديين والمثاليين في ذلك (وخلافًا للماديين وحتى الإسلاميين منهم وأقصد بالماديين هؤلاء المقلدين للمادية بصورتها الغربية وطبعًا ليس كل من ليس مادي بهذه الطريقة هو مثالي كما يحلوا لهم أن يروجوا على الجهّال من مريديهم فإن المعنى الحسن الذي تلتذ به الروح عند تعقل معناه فهي تلتذ لإدراك حسن معناه وليس أنه هو حسن لأنه تلتذ به الروح اعتباطا وطبعًا كما يخلط الماديين وكتلذذ الذوق بطعم السكر مثلًا الذي لا يحمل قيمة معنوية أخلاقيّة فعاد قولهم نفس قول الأشاعرة أن التحسين والتقبيح عائد لملائمة ومنافرة الطبع ليس إلا ولا مدخل له بالكمال والنقص الذاتي والفعلي وحسن المعنى لذاته واستحقاق صاحبه المديح).
ومن باب الاستطراد من باب أن الخاطرة عفوية نوعًا ما، ففي غياب الاله تصبح القيمة الجوهرية للافعال دائما مهملة ومعطلة ولا قيمة واقعية لها أبدًا، حيث أن إدراك العقل حينها لمعاني حسنة في ذاتها يكون بحد ذاته موضع شك معتبر وتعميم لا مستند له، وبنفس الوقت تكون معاني مثالية لا معنى لتعلقها بحب كيان كامل لها لكونه يحب الأمور الحسنة ويكره الفواحش والقبائح ويضع الأمور موضعها فلا يرتب على الفساد إلا الفساد ولا يرتب على الصلاح إلا الصلاح وبالنسبة للإنسان فلا معنى لكون الشيء أخلاقيّا إن لم يترتب عليه على الأقل عاقبة حسنة له ولغيره ويكون فيها المصلحة الأخلاقية الأقصى التي يمكنه أن يحققها وهذا وهم كبير في غياب الجنة والنار والحساب الأخروي وعدل الباري سبحانه وتعالى الواجب له بداهة وضرورة وشرعًأ.
فإن قيل إن القيمة الجوهرية للأخلاق اساسا مرتبطة ارتباطا لا انفكاك منه بالعواقب قلنا:
سلمنا لكم ذلك ولا شك، ولكن هل هي تأخذ كل قيمتها من العواقب التي هي اللذة والالم الشخصية؟
أم أن الأمر في ترجيح بين هذا وذاك؟
نحن نقول إن كل حسن ذاتي جوهري لا بد أن يؤدي خارجي حسي لأن الله يحب الحسن ولا يرتب عليه إلا حسن لحكمته سبحانه
والقبيح كذلك
فتصبح القيمة الجوهرية للفعل متناغمة مع العواقبية
اما في الالحاد فلا معنى لقيمة جوهرية بالتالي لا معنى لاخلاق معيارية اصلا
بل سمها اخلاق او لا تسمها إن شئت بالنهاية الامر كله راجع للنسبية الذوقية والمصلحة الفردية والميول والقبول الاجتماعي والتربية وهي كما ترى لا يمكنها تكوين أي قاعدة ملزمة للبشر جميعهم والانقياد لها أيضًا راجع للذائقة الفردية بالنهاية.
التي تارة ستكون بقتل فلان وتارة ستكون بتركه يعيش اذا تحصلت من ذلك فائدة
فنحن نقول قد يكون هناك شيء حسن لذاته قبيح لغيره
وقد يكون هناك شيء حسن لذاته مطلقا لا يفوقه شيء يقلبه في تلك الحالة المعينة الى قبيح بقدر معنوي زائد عليه (كمعنى التوحيد مثلًا)
وقد يكون هناك شيء قبيح حسن لغيره
وشيء قبيح لا يحسنه معنى زائدًا عن حقيقته من غيره ابدا مهما حصل ولا يتصور ذلك (كمعنى الشرك مثلًأ)
ولكن العواقبية المحضة تقول انه لا يوجد قيمة ذاتية للمعاني هذه من حيث الحسن والقبح بل الأمر كله يتحدد بكل حالة بحسبها مطلقا بحسب تقدير اللذة والالم الراجع من ذلك.
ولا تحتاج سوى التفكير بذلك بناء على خبرتك التجريبية الحسية السابقة وتوقعاتك المستقبلية الاستقرائية.
فلا الاصل ان تحترز من الكذب الا كانت الضرورة القصوى تلزمك بهذا السلوك في الحالة المعينة
بل لا اصل بل ولا ضرورة
بل المنفعة الزائدة عن الحاجة تبيح لك الكذب
اذ لا حرام اصلا ولا أصل مفترض ولا قاعدة، الأمر كله راجع لميلك الشخصي (هذا في التصور الذي ينحي الدين عن المسألة الأخلاقية)، فالحمد لله على نعمة الإسلام وعلى منهج أهل السنة القويم الوسط في هذه القضية بين الإفراط والتفريط.
#الغيث_الشامي