سلسلة: مسالك المنافقين في تزيين باطلهم - الجزء الأول

2 وقت القراءة

1 - أن يدعي أنه لفصاحته وعلمه باللغة يمكنه فهم القرآن فهمًا ضلّ عنه المخاطب الأول.

واليوم للأسف كثير من الناس يظن أن مدرّس اللغة العربية الذي لا يخطئ في فتحة ولا ضمة أقدر على فهم القرآن الكريم من طالب العلم الشرعي الذي درس التفسير وأصوله وقرأ تفاسير السلف والصحابة المخاطبين بالقرآن من حيث الأصل.

وهذا فيه سوء ظن بالله، فأي إله هذا الذي يخاطب أناس لهدايتهم بكلام هم لا يفهموه ونحن نسألهم

هل الله كان قادرًا على إفهامهم لكن لم يرد هدايتهم؟

أم كان يريد هدايتهم ولم يقدر؟

أم كان قادرًا ومريدًا لكنه لم يخلق عقولهم بحيث تهتدي بكلامه، فطالما أنه أراد هدايتهم فلم لم يخلق عقولهم لكي تهتدي بكلامه وهو أصلًا منذ أن خلقهم كان عالمًا أنه سيخاطبهم ويريد هدايتهم فهل قدر على هذه وعجز عن هذه؟ القول أن ذواتهم ليست قابلة فيه تعجيز للرب عن إفهامهم كأنه ليس هو من خلق عقولهم، وكل هذه الأقوال زندقة محضة تغني حكايتها عن إبطالها ونسأل على أزمنة احتيج فيها أن نحاجج هؤلاء.

فهل تغني اللغة عن معرفة أسباب النزول وسياق الكلام وعادة المتكلم في كلامه وأحوال المخاطَب وما الداعي للخطاب وغير ذلك؟! 

بل واصطلاح المتكلم، فكل علم له اصطلاحات خاصة لا يجوز أن تؤخذ على معناها اللغوي العادي بمعزل عن ما يقصدونه هم فيها في هذا السياق

مثل معنى الصلاة والزكاة والحج، فلو أن إنسانا علم معنى كلمة حج في اللغة هل هذا يغنيه عن السنة في معرفة كيفية الحج وشروطه وواجباته وغير ذلك مما يتعلق به من أحكام؟! بأي عقل؟!

هل تدعي أن مدرّس اللغة العربية لمجرد ذلك يستطيع فهم أي كتاب فلسفي تعطيه إياه مهما كان متقدمًا يحتاج كتبًا أخرى كمقدمات في هذا العلم؟ 

فكثير من الزنادقة يدخلون التأويل على الناس من هذا الباب، أن فلانًا يفهم باللغة وقد استطاع أن يفسر القرآن بطريقة بعيدة عن تأويل التراثيين الظلاميين القدماء.

ولا يخفى ما في هذا الكلام من عقيدة تقدّمية ظاهرة، تؤمن أن كل ما يأتي بالمستقبل خير مما ذهب في الماضي وهذا لا دليل عليه من عقل، بل العقل بخلافه فإن الأديان تنزل كاملة ثم تنقص بعكس العلوم التجريبية لأن علوم الإنسان التي يتعلمها من تجربته مع الطبيعة هي تراكمية بعكس العلوم الدينية التي تبدأ كاملة مع الرسل فهذا قياس فاسد من مبدأ الأمر.

قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله:

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 78)

قبول التأويل له أسباب: منها: أن يأتي به صاحبه مموها بزخرف من القول، مكسوا حلة الفصاحة والعبارة الرشيقة فتسرع العقول الضعيفة إلى قبوله واستحسانه، قال الله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} [الأنعام: 112] فذكر سبحانه أنهم يستعينون على مخالفة أمر الأنبياء بما يزخرفه بعضهم لبعض من القول، ويفتريه الأغمار وضعفاء العقول، فذكر السبب الفاعل وهو ما يغر السامع من زخرف القول، فلما أصغت إليه ورضيته اقترفت ما تدعو إليه من الباطل قولا وعملا."

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق