قاعدة في كشف تلاعب الجهمي الأشعري في عقول العامة: الجزء الثاني


أولًا علينا أن نفهم أن الجهمية بنوا دينهم على الفلسفة المشائية التي هي فرع من فروع الفلسفات المثالية، التي تجعل المعاني الذهنية لها واقع خاص تقوم به بنفسها، أو تأخذ حكم القائم بنفسه.

والآن نبدأ بضرب الأمثلة:

تشبيه الله بالمحسوسات:

ونحن إذا نفينا أن الله يشبه المحسوسات نقصد أنه ليس كمثله شيء من المخلوقات التي نحسها في الدنيا من جهة الكيفية، أما المعاني اللغوية الكلية التي يتعلمها الإنسان بملكته العقلية الفطرية من المحسوسات، فهذه لا تختلف في الشاهد عن الغائب، فنحن نتعلم معنى الوجود اللغوي الذي هو نقيض العدم من المحسوسات حولنا ونحن صغار.

ونفهم بعدها إذا وصفنا شيء غيبي أنه موجود بناء عليه وهذا لا يلزم منه تماثل الكيفية، وكذلك اليد والوجه وغيرها.

لا فرق بين هذه المعاني من هذه الجهة أبدًا، لا فرق بين الصفات العقلية والخبرية أبدًا من هذه الجهة سوى أن هذه تعرف بفطرة العقل بداهة لكون نقيضها نقص بالضرورة مهما كان كيفية تحققه في أي موصوف، بينما الصفات الخبرية فمعناها بالأساس ليس نقص لذاته في علمنا لكل موصوف، إنما فقط الكيفية المخلوقة الناقصة له هي نقص لكونها راجعة لكيفية ذات المخلوق الناقص.

أما تفريق الصفات الخبرية والعقلية عند الأشاعرة فهي نفسها خدعة واشتراك لفظي محض بينهم وبين أهل السنة، فالصفات الخبرية التي يفوضها المفوضة أو يؤولها المؤولة إلى الصفات العقلية، أن الصفات الخبرية عندهم يتم تعلمها من المحسوس ولا تقوم إلا بشيء محسوس (أي موجود حقيقي قائم في الأعيان بنفسه)، أما الصفات العقلية عندهم فهي تعرف من عالم المثل بشكل مستقل عن الحس تمامًا لذلك لا يلزم منها تشبيه الرب بالمحسوسات التي هي عندهم كل قائم بنفسه في الأعيان خارج الذهن وله وجود حقيقي.

فهم عندهم وجود الله سبحانه وجود معنوي محض وهذا الذي يقصدون به أنه لا يشبه المحسوسات أي من جهة كونها أشياء قائمة بنفسها بحيث يمكن أن يراها أحد مثلًا لو أن الله كشفها لهم، إنما عندهم وجود معقول فقط أي هو فقط فكرة في الذهن، وليس ذلك لأنه مغيب عن حواسنا أي هذا ليس صفة لطبيعة معرفتنا إنما صفة ذاتية لوجوده هو نفسه أنه هو في نفسه معقول فهو موجود معنوي ولذلك لا يدرك إلا بالعقل إذ لو أدركته الحواس لكان عندهم يشبه المحسوسات! 

فالصفات العقلية عندهم ليس معناها أنها تعرف بالعقل من قبل الخبر أو الرؤية، إنما هي صفات تعرف بالعقل ومستحيل أن تعرف بغيره أصلًا لكون الألفاظ التي أتت في الوحي أو تعلمت من الحس كلها سيفهمها العامة على المعنى اللغوي الذي أخذوه من الحس حتى في القدرة والعلم (أي حالة مخصوصة يكون فيها الموصوف بالعلم يجد علمًا حقيقيا في نفسه أو قدرة على الفعل متى شاء) وهذه عندهم حقيقتها أنها تركب عرض على جوهر، أما القدرة التي يثبتونها والعلم الذي يثبتونه ليس حقيقته كما تفهم إنما قيامه بالموصوف ذهني في ذهني ، وليس صفة حقيقية في موصوف حقيقي، وهي أشبه بالأحوال عند المعتزلة، فهي ليست صفات موجودة وجود حقيقي في الموصوف خارج الذهن.

وهذا سبب أنهم يؤولون كل الصفات الخبرية إلى صفات عقلية على اصطلاحهم ثم حتى الألفاظ الدالة على الصفات العقلية عندهم ليست قدر مشترك مأخوذ من الحس إنما هي عندهم معرفة "قبلية" بمعنى أنها لا تعرف بتوسط الحس!

نكتفي بهذا القدر في هذا الجزء

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق