قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ولفظ «الاختيار» في القرآن والسنة وكلام السلف يتضمن تفضيل المختار على غيره؛ كقوله تعالى: {ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين • من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين • ولقد اخترناهم على علم على العالمين} [الدخان: 30 - 32]، وقال تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار}، ثم قال: {ما كان لهم الخيرة} [القصص: 68] فذكر الاختيار بعد المشيئة، وقال تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا} [الأعراف: 155]؛ أي: من قومه.
وقد صار لفظ «الاختيار» يعبر به عن الإرادة؛ بناء على أن العالم لا يريد إلا ما هو خير من غيره، أو بناء على أن الحي لا يريد إلا ما يراه خيرا من غيره، وإن كان قد يغلط في اعتقاده أنه خير من غيره. وهذا يطابق قول من قال: إن القادر المختار لا يرجح أحد مقدوريه على الآخر إلا بمرجح."
- شرح الأصبهانية، ط آل غيهب، ص483.
قلت: ومعنى ذلك أن مشيئة الله الكونية وإرادته الشرعية لا تكون إلا خيرًا في نفسها وأما وجه كونها شر فإنه في مفعوله لا فعله القائم بذاته أي في المُقدّر لا نفس فعل التقدير لأن التقدير لا يكون إلا لحكمة ولا يجوز التنقص منه أو سبه، وأما المقدر وهو المخلوق فيجوز لعنه إن كان كافرًا وقد يجوز شتمه في مواضع أو التنقص منه في نفسه لا من الحكمة التي خلق من أجلها.
وقد يكون في فعل الله وتقديره الذي هو خير في نفسه لما يتضمنه من عدل وحكمة شر بالنسبة إلى من وقع عليه سواء في نظره أو في نفس الأمر، فمثلًا المبتلى بألم عاقبته خير أكبر قد يظن أن ما وقع عليه هو على سبيل العقاب وهو على سبيل الرحمة والتطهير في الدنيا وقد يترتب على ذلك الخير الأكبر في الدنيا والآخرة، وقد يكون في نفس الأمر وهو العقاب الدنيوي النازل على بني آدم من عصاة الكفار مثلًا فهو خير على جهة أنه عدل والعدل أصل الخير كله وشر بالنسبة لمن وقعت عليه العقوبة فإنه لا يحب أن يقع عليه الألم.
ولكن كل هذا خير من الله سبحانه ويحمد عليه.
#الغيث_الشامي