التفصيل في لفظ الفعل والعمل والصنع أنواع

2 وقت القراءة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"قول القائل: هذا فعل هذا وفعل هذا: لفظ فيه إجمال؛ فإنه تارة يراد بالفعل نفس الفعل وتارة يراد به مسمى المصدر. فيقول فعلت هذا أفعله فعلا وعملت هذا أعمله عملا فإذا أريد بالعمل نفس الفعل الذي هو مسمى المصدر كصلاة الإنسان وصيامه ونحو ذلك فالعمل هنا هو المعمول وقد اتحد هنا مسمى المصدر والفعل؛ وإذا أريد بذلك ما يحصل بعمله كنساجة الثوب وبناء الدار ونحو ذلك فالعمل هنا غير المعمول قال تعالى {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات} فجعل هذه المصنوعات معمولة للجن. ومن هذا الباب قوله تعالى {والله خلقكم وما تعملون} فإنه في أصح القولين {ما} بمعنى الذي والمراد به ما تنحتونه من الأصنام كما قال تعالى {أتعبدون ما تنحتون} {والله خلقكم وما تعملون} أي والله خلقكم وخلق الأصنام التي تنحتونها. ومنه حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله خالق كل صانع وصنعته} لكن قد يستدل بالآية على أن الله خلق أفعال العباد من وجه آخر فيقال: إذا كان خالقا لما يعملونه من المنحوتات لزم أن يكون هو الخالق للتأليف الذي أحدثوه فيها فإنها إنما صارت أوثانا بذلك التأليف وإلا فهي بدون ذلك ليست معمولة لهم وإذا كان خالقا للتأليف كان خالقا لأفعالهم. والمقصود أن لفظ " الفعل " و " العمل " و " الصنع " أنواع وذلك كلفظ البناء والخياطة والنجارة تقع على نفس مسمى المصدر وعلى المفعول وكذلك لفظ " التلاوة " و " القراءة " و " الكلام " و " القول " يقع على نفس مسمى المصدر وعلى ما يحصل بذلك من نفس القول والكلام فيراد بالتلاوة والقراءة نفس القرآن المقروء المتلو؛ كما يراد بها مسمى المصدر. والمقصود هنا أن القائل إذا قال هذه التصرفات فعل الله أو فعل العبد؛ فإن أراد بذلك أنها فعل الله بمعنى المصدر فهذا باطل باتفاق المسلمين وبصريح العقل ولكن من قال هي فعل الله وأراد به أنها مفعولة مخلوقة لله كسائر المخلوقات فهذا حق.

ثم من هؤلاء من قال إنه ليس لله فعل يقوم به فلا فرق عنده بين فعله ومفعوله وخلقه ومخلوقه. وأما الجمهور الذين يفرقون بين هذا وهذا فيقولون هذه مخلوقة لله مفعولة لله ليست هي نفس فعله وأما العبد فهي فعله القائم به وهي أيضا مفعولة له إذا أريد بالفعل المفعول؛ فمن لم يفرق في حق الرب تعالى بين الفعل والمفعول إذا قال إنها فعل الله تعالى وليس لمسمى فعل الله عنده معنيان وحينئذ فلا تكون فعلا للعبد ولا مفعولة له بطريق الأولى وبعض هؤلاء قال هي فعل للرب وللعبد فأثبت مفعولا بين فاعلين. وأكثر المعتزلة يوافقون هؤلاء على أن فعل الرب تعالى لا يكون إلا بمعنى مفعوله مع أنهم يفرقون في العبد بين الفعل والمفعول؛ فلهذا عظم النزاع وأشكلت المسألة على الطائفتين وحاروا فيها"

- مجموع الفتاوى (8/122)

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق