أنواع ألفاظ الآيات من حيث الوضوح كما يحكيها ابن القيم

1 وقت القراءة

"أن ألفاظ القرآن والسُّنَّة ثلاثة أقسام: نصوص لا تحتمل إلَّا معنًى واحدًا، وظواهرُ تحتمل غير معناها احتمالًا بعيدًا مرجوحًا، وألفاظ تحتاج إلى بيانٍ، فهي بدون البيان عُرضة الاحتمال.

فأمَّا القسم الأول: فهو يُفيد اليقين بمدلوله قطعًا، كقوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 13]. فلَفْظ الأَلْف لا يَحتمل غير مسمَّاه، وكذلك لفظ الخمسين، وكذلك لفظ نوحٍ، ولفظ قومه، وكقوله: {وَوَعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142]. وقوله: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] وقوله: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي اِلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 195] وقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 232] وعامَّة ألفاظ القرآن من هذا الضَّرْب.

هذا شأن مفرداته، وأمَّا تركيبه [ب 86 أ] فجاء على أصحِّ وجوه التَّركيب، وأبعدِها من اللبس، وأشدِّها مطابقةً للمعنى. فمفرداته نصوصٌ أو كالنُّصوص في مسمَّاها، وتراكيبه صريحة في المعنى الذي قُصِدَ بها، والمخاطبون به تلك اللغة سجيَّتهم وطبيعتهم غير متكلَّفةٍ لهم، فهم يعلمون بالاضطرار مراده منها.

والقسم الثَّاني: ظواهر قد تحتمل غير معانيها الظَّاهرة منها، ولكن قد اطَّرَدَتْ في موارد استعمالها على معنًى واحدٍ، فجرت مَجرى النُّصوص التي لا تحتمل غير مسمَّاها.

والقسمان يُفيدان اليقين والقطع بمراد المتكلِّم.

وأمَّا القسم الثَّالث: إذا أُحْسِنَ ردُّه إلى القسمين قبله عُرف مراد المتكلِّم منه.

فالأول يُفيد اليقين بنفسه، والثَّاني يُفيده باطِّراده في موارد استعماله، والثَّالث يفيده إحسان ردِّه إلى القسمين قبله. وهذا ظاهر جدًّا لمن له عنايةٌ بالقرآن وألفاظه ومعانيه، واقتباس المعارف واليقين منه. فاستفادته اليقين من أدلته أعظم من استفادة كل طالب علمٍ اليقينَ من موادِّ عِلْمِه وبراهينه."

- الصواعق المرسلة على المعطلة والجهمية

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق