الأفكار الوسواسية بين النسبية والإطلاق

4 وقت القراءة

كثيرًا ما أجيب بعض الإخوة على أسئلة ثم ألاحظ أن طريقة السؤال وكثرة التنقير في المسألة وعدم القناعة بالدليل الصحيح مع إقرارهم بصحته مع عدم قدرتهم على القدح فيه بمجرد أن نفسهم لم ترتاح وتكرار نفس الاستشكالات بشكل مستمر لكن مع إعادة الصياغة اللفظية وكثرة الجدل حول الأمر مع وضوحه وبدهيته.

فبعد أن أجيبه أقول له أنت موسوس في المسألة، هل تستطيع أن تتوقف عن الجدل والتفكير فيها لمدة أسبوع فقط؟ أنا مستعد أن أناقشك في المسألة بعد أسبوع أو أسبوعين وأن أعطيك ما تريد من الأدلة والنقولات لكن بشرط أن تسكت عنها أسبوع أو أسبوعين.

فيرى ذلك ثقيلًا جدّا عليه فهذه الفكرة مستحوذة على تفكيره تمامًا وهو يظن أن المسألة مجرد بحث علمي.

والوسواس كما ذكرت خطورته أنه لا يقتصر على مسألة بل هو يتعامل مع مصادره كحبال طرزان كلما قطعت واحدة تمسك بالأخرى لأنه خلل في الدماغ والعادات السلوكية المرافقة لذلك.

وقد يقال لي كيف تزعم أن هذه الفكرة وسواسية وقد ناقشها بعض العلماء والمسألة خلافية فعلًا وعليها نزاع.

فأقول نعم هناك أفكار هي بطبيعتها خلقها الله بحيث تقوم مقامًا وسواسيّا في عقول النوع البشري، فلا تخطر على البال إلا وتقوم في النفس مقام الوسواس ولا تأتي إلا من أسباب ورود الوساوس ولا إشكال، فهذه تكون وسواسية بالنسبة للنوع البشري كله وهذا طبعًا مثل بعض الأسئلة التي جاء النص الشرعي بأنها وسواس من الشيطان.

وبعض الأفكار تكون وسواسية بالنسبة لبعض الناس دون بعض، فهي وسواسية لأن دماغك أقامها هذا المقام، لا لأنها في ذاتها فكرة وسواسية فهي من حيث هي محايدة لا تتصف بصفات أزيد من كونها فكرة قد تكون صحيحة أو خاطئة من حيث مطابقتها للواقع، فلا نقول لك أنها وسواسية في عالم المثل الذي تعيش فيه الأفكار بشكل مستقل!

إنما نقول لك أننا لاحظنا أنك أنت أصبحت توسوس في هذه الفكرة فوجب عليك أن تتعامل مع هذا بجدية لأن الترسل مع الوساوس قد ينتهي بأن تصاب أنت شخصيّا بمرض الوسواس القهري وهو مرض سيضر تفكيرك بالكامل ويعيق دراستك وإنتاجيتك وتفكيرك بعموم ويجعلك تحارب طواحين هواء وتضيع الكثير من عمرك وراء أمور ستراها في قمة السخف بعد أن تُشفى، بحقيقة الأمر مرض الوسواس سيشوه ويخرب طريقة تفكيرك وهذا يعلمه كل من أصيب بهذا المرض الخبيث أبعده الله عن المسلمين.

وهذا جدول مختصر يفي بالغرض مبدئيّا للتعامل مع الفكرة إذا شعرت أنها بدأت تسيطر وتستحوذ على تفكيرك بشكل قهري بحيث لا تستطيع دفعها كما تفعل مع الأفكار التي لا تريدها في العادة.

برنامج منع الإستجابة وإعادة التركيز:

1- إعادة التصنيف، وهو أمر شعوري محض ستعتاد عليه مع الوقت وهو أن تستطيع أن تستبصر نفسك وتميز الفكرة الوسواسية من الفكرة الطبيعية وهذا يحصل بشكل شعوري تمامًا بحيث تشعر أن هذه الفكرة مزعجة ولا تريدها وقد ناقشتها مرارًا ولا فائدة فهي حاضرة في وعيك بشكل قهري وتضرب في خطوطك الحمرا وبدهياتك الأولى مع كونها سخيفة وغير طبيعية، فالأمر لا يجب أن يتحول لنقاش وتقييم في نفسك وإنما يكفي أن تستشعر بذلك، لأن نقاش هل هي وسواسية أم لا يعني تفرع آخر للوسواس وخضوع لشرطه.

2- عدم الاستجابة الإرادية، بمجرد الانتباه لكون الفكرة وسواسية فلا تفعل شيء لأجل ذلك ولا تترك شيء كنت تفعله، بل استمر فيما كنت تفعله وحاول أن تركز على الأشياء من حولك ولا تغرق في جانبك الفكري الداخلي ولا تحاول فهم أي شيء عن الفكرة الوسواسية مهما رافقتها مشاعر مزيفة من الخوف والقلق.

3- إعادة التركيز، لابد أن مجرد أن تخطر على بالك الفكرة الوسواسية فهي ستشد انتباهك بقوة ما إليها (بحسب مدى قوة الوسواس) فهنا أنت مطالب أن تتكلف إعادة توجيه تركيزك لما كنت تفعله والإصرار فقط على التركيز به.

وطبعًا لكون الدماغ يعتبر الفكرة الوسواسية أمر مهم وخطير فالجدول هذا سيزيد من قوة إزعاجها في الفترة الأولى حتى يعتاد الدماغ على أنك لا تعتبرها مهمة فتبدأ تضعف تدريجيّا حتى يصبح حضورها في الوعي غير مهم بتاتًا ومع الوقت ستعتاد أنت على تطبيق على البرنامج فستعود لحالة الشخص الطبيعي لأن الشخص الطبيعي فعليّا هكذا يتعامل مع الأفكار التي لا يريدها، فهو لا يركز على استحضار فكرة أنه لا يريد التفكير فيها والتأكد هل هي حاضرة في وعيه باستمرار (وهو ما يعني إنعاشها أصلًا!) إنما فقط ينصرف لشيء آخر.

وكما ترى فالجدول مبني على أنك تفعل شيء أصلًأ فإن كانت حياتك مليئة بالفراغ فأنت مطالب أن تفعل شيء مهم حتى لا يختلق ذهنك أمور غير مهمة ويشغلك بها هروبًا من الواقع ومشاكله الحقيقية ليشعرك بانتصارات وهمية بعد كل مرة تتغلب فيها على الفكرة الوسواسية الخطيرة (يزعم) للمرة المليون : )

هناك المزيد من التعليمات حول هذا ولي مواد سابقة لعلي أجمعها لاحقًا في منشور واحد لكن يكفي هذا الآن ان شاء الله.

#الغيث_الشامي


إرسال تعليق