"ولتيسير هذا المفهوم على القارئ وتقريبه إلى ذهنه نقول: من اعتقد أن وقوع أي انفجار «اعتيادي» مما نراه في واقعنا المحسوس، لا يقتضي كغيره من حوادث العالم - إثبات علة أولى (الخالق بالغيب سبحانه)، فهو كذلك لا يعتقد أن الانفجار الكبير المزعوم يلزم منه إثبات العلة الأولى، وللأسباب نفسها وتبعا لنفس الفلسفة الفاسدة ولا فرق! فكلا الانفجارين قد خضعا للقانون الطبيعي (بشكل ما أو بآخر) الذي يزعم أحدهم أن مجرد تصوره وتوصيفه يكفي معرفيا في تفسير ما يخضع له من حوادث، دون التعليل بخالق غيبي فوق الطبيعة وأسبابها، لاعتقاده تسلسل الأسباب الكونية «الطبيعية» من الأزل وإلى الأبد في إطار هذا النموذج الطبيعي أو ذاك!
"فالأمر الذي يجب أن يفهمه إخواننا ويتأملوا فيه مليا، أن "طبيعية" نموذج الانفجار الكبير وما يناظره من نظريات أو نماذج تصورية لحوادث النشأة الأولى للسماوات والأرض وما بينهما، هي الدهرية بعينها، ولا مخرج من تلك الدهرية المعاصرة إلا بإسقاط ذلك النموذج جملة واحدة وسد الباب معرفيا أمام الطريقة العلمية الطبيعية في الوصول إلى تصور حوادث وأسباب وكيفيات خلق السماوات والأرض وصور الحياة على الأرض جملة واحدة، وذلك بتحديد حدود واضحة قاطعة لمبدأ الاستمرارية القانونية الطبيعية فلا تتجاوزها قيد أنملة! فالمنطق والبداهة تحكم بضرورة ألا تكون تلك الحوادث التي خلقت فيها سائر نواميس الكون وقوانينه التي تحكمه الآن، قد خضعت في تفصيلها وأسبابها إلى تلك القوانين نفسها التي كانت هي مصدرها ومنشأها بالأساس! هذا دور منطقي جلي لا يعبا به الملاحدة من الطبيعيين وغيرهم ولا يلزمهم ابتداء لأنم دهرية في تعاملهم مع القانون الطبيعي كما بينا، بصرف النظر عن طبيعة ما يعتقدون أزليته مع ذلك القانون من مادة أو طاقة أو ( "عدم" لا يعقلون له أي معنى مستقيم ) أو غير ذلك! "
- البروفيسور أبو الفداء ابن مسعود، كتاب معيار النظر، ص(7\96).
#الغيث_الشامي