فائدة في بطلان تصور الطبيعيين أن البشر كانوا بدائيين في الماضي

مما دخل اليوم على العقل الجمعي العام بسبب مدخلات الميديا والإعلام الدهري المباشر والغير مباشر وبرامج تبسيط العلوم، مسلمتين:

❁ أن البشر كانوا أحط في الملكة العقلية في الماضي نتيجة لعدم تطورهم التقني وهو بدوره لأسباب من ضمنها عدم تطورهم العقلي الدارويني الكافي، فيقاس تقدم البشر في جميع الجوانب العقلية والقيمية الأخلاقية على تطور أدواتهم التقنية وصناعاتهم، وهذا التصور يسمى التصور "التقدمي" وهو قياس فاسد كما هو واضح، إذ الجهة منفكة بين مطلق التطور التقني وبين صحة المعقول وصحة الأخلاق.

فنعم علمنا بكيفية استغلال الجانب المحسوس من الظواهر في الطبيعة لصالحنا هو فيما يظهر لنا أكبر بكثير من الأمم السابقة الموجودة في التاريخ المدون المكتشف، لكن هو في هذا الجانب وحسب.

❁ المسلمة الثانية: وهي التفسير التطوري لطبائع البشر، فيقال الإنسان يتعلق بالجماعة، لأنه قديمًا كان يعيش في غابات ومن الصعب عليه أن يعيش بمفرده فأبقى الانتخاب الطبيعي النسخ التي تطورت لتعيش في جماعات وأفنى التي بقيت بمفردها.

فكما ترى وعلى هذا الخيال الدهري الخصب الذي ينتقص من رب العالمين بأنه لم يخلق البشر على أحسن تقويم للغاية التي يجب أن يعيشوا لأجلها والمكان الذي خلقهم الله به ألا وهو بيئات الأرض المختلفة بحيث يجعل لهم من القدرات التكيفية المخزونة بهيئتهم بحيث تظهر في وقتها المناسب بالتكيف مثلًا، بل على تصورهم يأخذ يطور ويحسن وبزيل الأخطاء التي كانت في خلقه السابق، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وأنا والله أتعجب من المسلمين الذين ينبطحون للملاحدة ويقبلون هذه النظرية التي لم تؤسس يوم تأسست إلا على تجويز جحود رب العالمين وتفعيل الخيال الدهري الخصب في المقابل للخوض في الغيبيات المحضة للكيفية التي نشأت بها الكائنات الحية واكتسبت بها صفاتها على غير مثل سابق.

بينما في الحقيقة كما سيظهر لك الآن في آثار السلف التي ورثوا ما بها من علم من الصحابة وهم بدورهم أخذوها عن النبي صلى الله عليه وسلم

أن آدم كان من أعقل الناس على الإطلاق وعلمه ربه الأسماء كلها، وأن طباع آدم خلقها الله به ثم بذريته تبعًا بأحداث غيبية ما كان لنا أن نعرفها بالقياس على الطبائع المحسوسة التي ندرسها في حيز عادتنا وتجربتنا الضئيل من أزمنة وأمكنة، بل هي أحداث لا نظير لها في الشاهد لنا أصلًأ كما هو واضح.

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن اسحاق بن مندة في كتابه الرد على الجهمية (ص: 23)

أخبرنا أبو عمر بن محمد بن إبراهيم بن حكيم المديني، ثنا محمد بن عبد الوهاب بن أبي تمام العسقلاني، ثنا آدم بن أبي إياس، ثنا فرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي أمامة الباهلي قال: ولو أن أحلام بني آدم كلهم جمعت فحطت في كفة، وحلم آدم في كفة، لرجح حلم آدم بأحلامهم، يقول الله عز وجل: {ولم نجد له عزما} [طه: 115] قال أبو عبد الله: ومما يشهد لهذا المعنى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت عنه بأسانيد صحاح وهو: ما أخبرنا به أبو عمر بن محمد بن إبراهيم بن حكيم مولى بني هاشم، ثنا محمد بن إبراهيم بن مسلم أبو أمية، ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله آدم مسح على ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور، ثم عرضهم على آدم،» فقال: «أي رب، من هؤلاء؟» قال: " هؤلاء ذريتك، فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال: «أي رب، من هذا؟» فقال: رجل آخر الأمم من ذريتك يقال له داود قال: أي رب، كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة. قال: أي رب، زده من عمري أربعين سنة، فلما انقضى عمر آدم جاء ملك الموت فقال آدم: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم [ص:24] تعطها ابنك داود قال: فجحد وجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته، وخطئ فخطئت ذريته قال أبو عبد الله: هذا حديث صحيح من حديث هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رواه خلاد وغيره، وروى هذا الحديث صفوان، عن عيسى، عن الحارث بن أبي ذباب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وهو صحيح أيضا، ورواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه.

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق