نقد الأدلة وتقويمها بين شيخ الإسلام والرادين على الإلحاد المعاصر

3 وقت القراءة

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"وليس العلم بإثبات الصانع سبحانه مفتقرا إلى شيء من الطرق المبتدعة وإن كانت صحيحة، فكيف إذا كانت باطلة!"

- شرح الأصبهانية

قلت: فبين شيخ الإسلام أن الدليل المستحدث وإن كان صحيحًا فلا تفتقر إليه الشريعة في إقامة مسائلها، وهذه مسألة هامة فإن كثير من الرادين على الملاحدة يمتعضون عند نقد دليل معين يخالف عقيدة أهل السنة أو أنه غير صحيح في نفسه، أو له لوازم فاسدًا عقلًا أو شرعًا.

فيقولون إن أبطلت هذا الدليل فأنت تقوي الملاحدة علينا، فنقول سبحان الله وهل كان المسلمون قبل استحداث هذا الدليل أو ذاك ليس لديهم أدلة على إثبات أصول دينهم؟! 

هل قصر الشرع في إيضاح الدلائل على أعظم مسائل الدين حتى يأتي دليل الانفجار العظيم؟ أو صياغة هذا الفيلسوف وذاك لحجة التصميم الذكي؟ أو الضبط الدقيق في الثوابت الكونية الفيزيائية؟

أبدًا، لم تزل حججهم قاهرة على خصومهم كافية في نفسها في إقامة أصول الدين فهي صحيحة في نفسها دالة على مدلولها بغض النظر عن حدوث المشاغبات والسفسطات الجديدة فهذا لا يؤثر على صحة الدليل في نفسه، فضلًا عن أن يكون عدمًا!

بل القران والسنة حجة على جميع البشر إلى يوم القيامة إن فهموا معانيها كما فهمها القوم المخاطبين فيها أول مرة، وكما أنهم لم يحتاجوا الإعجاز العلمي، فلا نحتاجه.

ونقول إن كان شيء من هذه الأدلة صحيح فلا مشكلة أن تحتج به، لكن المشكلة أن تقول أن العلم بصحة دين الله موقوف على العلم بهذا الدليل وأن العلم كله محصور به دون غيره، فما بال القرون الأولى من المسلمين التي ما عرفت هذا الدليل؟ هل لم يكن لديها علم؟! 

بل قصارى الأمر أن تقول هذا دليل صحيح آخر نستأنس به وننتفع به في موضعه ومقامه إن قامت لذلك حاجة وانتهى الأمر ولا يعاب على من زيفه وقوله كان فيه حظ من نظر.

وقد اتهم المبتدعة شيخ الإسلام نفسه بأنه يحارب الأدلة العقلية وينتصر للملاحدة لمجرد أنه نقد أدلة المبتدعة التي جرت الويلات والفرقة على أمة الإسلام وأوجبت انتشار الشك والحيرة بينهم مع كونه كان نقدًا وتقويمًا وتصحيحًا وردا للباطل ووضعًا للصحيح في أحسن موضع ومع ذلك لم يقبل منه هذا المشروع الإصلاحي، ومن نهج نهجه في هذا العصر لاقى من أتباع خصومه نفس ما لاقاه من الإعراض عنه واتهامه بأنه عدو للعقل والعلم، مع ما رأيناه من تخطي العالم للمنطق المشائي الآرسطي إلى منطق جديد مع الأرغانون الجديد لفرانسيس بيكون واعتماد المنطق الاستقرائي والبحث التجريبي وكثير من هذا النقد الموجه للمنطق المشائي سبقهم إليه ابن تيمية، فيا من تتعصب لمثل هذه الأدلة المبنية على ميتافيزيقا الطبيعيين المعاصرين هلّا اتعظت بحال سابقيك ممن بنوا أدلتهم على التصور الوجودي القاصر للعالم الذي كان عند آرسطو وأتباعه والذي كان متسقًا ومترابطًا مع كلامهم في المنطق والمعرفة، كيف أنه تم تخطيه بالكلية إلى ميتافزيقيا آخرى ومنطق آخر؟

وهل التصور الطبيعاني اليوم هو معصوم عندك؟ بل هل لديك آلة تفصيلية لتمحيصه ونقده كما كان عند شيخ الإسلام في زمانه؟ وكما نزعم أنه عندنا لو سمعتنا، بل نزعم أنك عليه على الأقل أن تحاول أن تمتلك واحدًا سواء منا أو من غيرنا فلا تبقى غارقًا في التقليد وملكيّا أكثر من الملك، فتجعل اليقين كل اليقين في أقوال هي ليست يقينية في نفس من قالها! وترمي من خالفها بالجهل واتباع الظن وأنت لم تفكر أن تراجعها وتسائلها مسائلة عقلية صحيحة أبدًا!

فحالك كحال المتكلمين السابقين ولا فرق فسبحان الله.

هذا والله أعلم

#الغيث_الشامي

إرسال تعليق