قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"فنفس المخالفة لهم في الهدي مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين؛ لما فيه من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم، وإنما يظهر بعض المصلحة في ذلك لمن تنور قلبه، ونفس ما هم عليه من الهدى والخلق قد يكون فيه مضرة، فينهى عنه، ويؤمر بضده؛ لما فيه من المنفعة والكمال، وليس شيء من أمورهم إلا وهو إما مضر أو هو ناقص.
ولا يتصور أن يكون شيء من أمورهم كاملا قط، فإذا المخالفة لهم فيها لنا منفعة ومصلحة لنا في كل أمورهم حتى ما هم عليه من إتقان بعض أمور دنياهم فقد يكون مضرا بأمر الآخرة أو بما هو أهم منه من أمر الدنيا."
- اقتضاء الصراط المستقيم
---
قلت: فشيخ الإسلام رحمه الله لواسع فقهه وعلمه نبه تنبيهًا هامّا فإن هؤلاء ولو كان عندهم صناعات وعلوم نافعة من وجه، كان من أوجه فسادها عدم اعتبار الأبعاد الأخروية والمقاصد الشرعية في ترشيدهم لذلك.
فلا يضبطون الفضول العلمي بضابط البحث والسؤال عما ينفع، فيضيعون مليارات الدولارات في أبحاث الفضاء قليلة النفع بينما يموت ملايين الناس جوعًا.
حتى في أبحاثهم الفلسفية يتنطعون ويبالغون في التنظير "Over theorization" وهذا مذموم شرعًا لأن المسلم يعلم أن وقته ضيق في هذه الحياة فلا يضيعه فيما لا ينفع وعقله له أولويات حدود فلا يعمله في غير موضع ينفع به، بخلاف الطريقة اليونانية في البحث والتنظير في كل موجود على شرط الوجود أو على شرط الوجود في زمان ومكان ، إلخ..
لوضع نظرية توحيدية طبيعانية (isotropic, uniformity..) لتصور كل الموجودات على أن لها طبيعة جوهرية واحدة تجعلها تخضع لقانون فيزيائي شامل واحد يكون هو الحلم النهائي للصنعة الفيزيائية كبحثهم عن الجمع بين نظرية النسبية ونظرية ميكانيكا الكم بتأويلاتهم المختلفة وشطحاتهم الكشفية في ذلك كنظرية الأوتار الفائقة والنظرية M theory.
فلا يجب على المسلم إن اشتغل بالعلوم الطبيعية أن يكون حاله مثلهم ومواضيع أبحاثه كمواضيع أبحاثهم ولا أن يكون غارقا في الضياع الفكري المنهجي كضياعهم فيها بسبب دهريتهم
هذا والله أعلم
#الغيث_الشامي