نقض التطور الموجه بالضرورة العقلية:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أنتم جوزتم يا معشر القائلين بالتطور الموجه أن يخلق الله أعضائًا لا فائدة فيها من حيث كونها أعضاء (أي فائدة عضوية بما أنها يصح تعريفها بأنها أعضاء) بل ولا حكمة من خلقها أبدًا إلا أنها ستصبح المستقبل في كائن آخر لها فائدة، لكن في وقت معين يصح أن يقال هذه لا فائدة منها الآن، وهي لا فائدة منها أساسًا داخل هذا النوع، وليس أنها تظهر فائدتها عند قيام الداعي "تكيفًا" في ظروف يمر فيها النوع نفسه.
وهذا يقال في الفطرة بعموم إذ الاعضاء نفسها من الفطرة أو أصل الخلقة، فإن كان في الخلقة خلل وعبث بلا حكمة في نفس الأمر، كان يتطرق على المعرفة الفطرية معارف عشوائية لا تصح في نفسها إنما تتجمع لتصح في نوع آخر مثلًا، فإن قالوا هذه تتعلق بالصدق والكذب لا مجرد الحكمة، قلنا لهم هي بالتعريف عضو وظيفي بالجسد كما يفهمه العقل الضروري بالبداهة، فإن كان العضو الوظيفي الظاهر أنه مركب في أعضاء كلها تعمل لوظيفة بما يفهم منه العقل أن هذا خلق لهذه الغاية وأنتم تقرون بذلك، وثم هو في نفس الأمر نقيض ذلك، كان كذبًا مناقضًا للتعريف أو المطلوب وهو "العضو الوظيفي"، وكذلك يقال في المعرفة الفطرية المعينة، إن كانت يصح أن تسمى معرفة ومطابقة للواقع ومركبة في نظام معرفي وظيفته أن يطابق الواقع ثم ناقضت مطلوبها ولم تطابق الواقع كانت كذبًا على العقل الضروري وإيهامًا له وتزييفًا لما فطر أن يحكم عليه هكذا معياريّا، فالأمر نفسه يقال في العضو الوظيفي والمعرفة الفطرية الضرورية، فإن قلتم الأول قد يتخلف عن مطلوبه ألزمناكم بتخلف الثاني عن مطلوبه، وبرجوع ذلك للكذب على العقل الضروري في المسألتين وأساسا صفة الهداية والحكمة والصدق (أي أن كل المعارف التي يعلمها الله للناس من باب الهداية لا يتطرقها الكذب أبدًا) ولا يمكن للحكمة أن لا تأتي بمطلوبها ولا يمكن للعقل الضروري أن يفهم بالضرورة من شيء أنه يصح فيه المعنى الفلاني ثم هو لا يصح في نفس الأمر ويبطل المعيار الكلي الذي يميز فيه العقل الضروري بين ما يصح ان يدخل في التعريف الفلاني او المعنى الفلاني وما لا يصح، فإن صح في العقل ان يقال عن شيء انه عضو وظيفي كان لزاما ان يكون عضوًا وظيفيّا.
والآن لزومًا نلزمهم بتكذيب الفطرة من وجه كونها تجزم أن كل ما في الإنسان هو عضو وظيفي، ومن وجه كون الفطرة نفسها تشترك مع سائر الأعضاء الوظيفية أن الأصل فيها السلامة والعمل لغاية وحكمة بل العقل نفسه كصفة وظيفية قامت موجبات عملها في الإنسان جسدًا وروحًا، فإن كذبوا ذلك لزمهم التشكيك بالعقل، والتشكيك بالعقل إما انه ينقض نفسه ويكون تصديقًا له إن قبل، وإن جوزتم لزومًا لمقدماتكم التشكيك بالعقل ثم كذبتم النتيجة الضرورية لمقدمتكم وهي التشكيك بالعقل كان كذلك تشكيك بالعقل وعلى الحالتين لزمكم التناقض الذي لا يرتفع الا بالقول المعاكس لهذا (اي دليل بالقياس العكسي)
#الغيث_الشامي