عندما ذكرنا مسألة التفسير والتأويل:
فالفسير يتوجه إلى فهم النص من حيث هو كلام بغض النظر عن معرفة ما يطابقه في العالم الواقعي
فمثلا أنا أقول "سيارة حمراء" أنت فهمت كلامي نفسه، لكن لم تعرف شكل السيارة في الواقع بالضبط.
أما التأويل أو المآل هو أن تفهم المقصود الواقعي من كلامي وهو عندما ترى السيارة وتعلم أنها هي التي قصدتها من كلامي
فربما أنا أقول لك "السيارة الحمراء متسخة"
وأنت ستفهم لكن لن تعلم كيف هي متسخة بالضبط حتى ترى ذلك.
ونفس الشيء في بعض الآيات، الآية تتحدث عن شيء بشكل موجز، أنت تفهمها لغويا، لكن عندما ترى مصادقها الواقعي ستفهم تأويلها وما الحالة الواقعية التي تشير إليها فحين إذٍ لا معنى أن تعارض التفسير بالتأويل لأن الكلام ليس بالضرورة أن يشير إلى شيء بكل تفاصيله فمثلا.
قولي: ذهب أحد إلى المدرسة
يكفي لغويا لتفهم مني أن أحمد ذهب الى المدرسة! لا احتاج أن اصف لك حركة مشيه التفصيلية
فهب أنك راقبته فوجدته قد ركب سيارة وتحرك بها الى المدرسة، فهل يصح أن تقول لي "كذبت يا غيث" لأنك لما قلت ذهب أحمد إلى المدرسة تبادر الى ذهني أنه ذهب مشيا لكن ها أنا أراه أنه ذهب بالسيارة
فلي أن أقول لك كل هذه الحالات داخلة تحت كلمة "ذهب أحمد" فأنا لم أحدد كيفية ذلك وكل الكيفيات هذه قدر مشترك للذهاب.
فلذلك لما تقرأ آية لا تجعل فهمك الحرفي للكيفية التي تتكلم عنها بالذات إن كانت الواقعة التي تتكلم عنها الآية مغيبة عنك حاكما عليها وفيها تكذيب لمن شهد الواقعة بعينه وعلم المآل المحسوس للواقعة وتدعي أن كلامه يخالف منطوق الاية، لأنك أنت تتكلم عن التفسير وهو يتكلم عن التأويل والكلام في التأويل هو الأدق.
وهذا يحصل كثيرا عند من يدعون مخالفة الآية الفلانية للعلم، أو لواقع الناس بناء على أن الآية أشارت لشيء بإجمال يدخل تحته أمور كثيرة يمكن أن تعرفها أنت عند المعاينة، بينما هو فهمها سطحيا ويريد أن يبقيها على ذلك الفهم السطحي الأول حتى بعد رؤية مآلها الخارجي وكأن ذلك لا يجب أن يزيد له أي علم بمعنى الآية.
وإلا فلا شك أحداث يوم القيامة لا نظير لها في الشاهد وعندما تراها ستعلم أنها المقصودة في الآية وكذلك ستعلم أن فهمك كان سطحيا لأن الأحداث أضخم بكثير مما كنت تظن.
هذا والله أعلم
#الغيث_الشامي