حوار افتراضي لتوضيح مسألة "كلام الله عز وجل"

10 وقت القراءة

 

حوار افتراضي لتوضيح مسألة "كلام الله عز وجل" وكيف كونه مكتوبًا في السطور ومحفوظًا بالصدور غير مخلوق، لا تقتضي الحلول كما يزعم الجهمية والأثرية الزائفة إخوانهم.

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

نبدأ الحوار بسؤال:

هب أنك سمعت شعرًا للفرزدق، وكان هذا الشعر قويّا وجزيلًا، ثم أخذت تنقله للناس كما هو، فهب أن شخصًا سمع شعر الفرزدق منك وقال لك هذا فعلا قوي وجزيل، ثم سمعه من شخص آخر فقال: لا هذا شعر رديء وليس جزيل

ألن يكون متناقض؟

هب أنه سمعه من الفرزدق نفسه، ثم سمعه منك، هل يصح أن يقول حين سمعه من الفرزدق أن شعره جزيل، وثم لما يسمعه منك يقال غير جزيل؟

لا وإلا سيكون متناقض لأنه سمع نفس الشعر فقط اختلف الملقي، فيمكن أن يقول لك إلقائك للشعر ليس جيد، لكن لا يمكن أن يطعن بالشعر نفسه وقد مدحه!

ومن هنا نأخذ قاعدة: أن الكلام يبقى على صفته التي كانت حين قاله قائله ولا يتغير بالنقل، ولذلك يقول الإمام أحمد:

أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ  جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ وَقَعُوا فِي أَمْرِ الْقُرْآنِ , فَكَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: أَلَيْسَ أَنْتَ مَخْلُوقًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَلَامُكَ مِنْكَ مَخْلُوقٌ. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَوَلَيْسَ الْقُرْآنُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَكَلَامُ اللَّهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:  فَيَكُونُ مِنَ اللَّهِ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ؟

فيقول كلامك "منك" مخلوق، والقرآن ليس كلامك أصلًا إنما أنت فقط تنقله عن غيرك وتنسبه لله، فيبقى على صفته أنه غير مخلوق طالما أنك لم تحرف منه شيئًا

والآن فهمنا كيف أن الكلام لا تتغير صفته بالنقل ولا يكون على صفة في قائله الأول وبصفة أخرى عند ناقله إذا نقل نفس الكلام ! بل ولا ينسب إلا لقائله

والآن لننتقل لتوضيح باقي المسألة:

هل تقر أن الله تكلم القرآن بحرف وصوت بمشيئته وهو على عرشه؟

السني: نعم

هل تقر أن جبريل سمع صوته؟

السني: نعم، وهذا معنى كونه خرج من الله، أي سمعه منه جبريل

هل تقر بأن جبريل علم ما سمع؟

السني: نعم

ما الذي سمعه جبريل؟

السني: كلام الله بصوت الله غير مخلوق

ما الذي علمه جبريل؟

السني: كلام الله غير مخلوق وأن الله تكلم به 

هل علم جبريل مطابق للواقع؟

السني: نعم

ما هو الواقع الذي يطابقه علم جبريل؟

السني: أن الله تكلم القران بحرف وصوت

هل علم جبريل "نفس" كلام الله، أم شيء غيره

السني: بل علم نفس الكلام الذي قاله الله بلا زيادة أو نقصان

والآن جبريل عليه السلام نزل إلى الرسول وبلغه الرسالة وقال له القران، هل تقر؟

السني: نعم

هل ما قاله جبريل يطابق ما يعلمه؟

السني: نعم، ولهذا هو صادق، لأنه قال نفس ما يعلم

ما الذي يعلمه؟ 

السني: كلام الله غير المخلوق، وعلمه مطابق للواقع وقوله مطابق لما يعلم

فإذا كلام الرسول مثله، علمه يطابق للواقع، مع كونه أخذه عن جبريل، وكلامه يطابق علمه فلم يكتم منه شيء.

والآن الرسول علمنا القرآن، ونحن كتبناه، فهل ما كتبناه من القرآن يطابق ما نقوله من القرآن؟ 

السني: نعم يطابق

إذا القاعدة: الأصل في حقائق الأشياء الوجود في الأعيان

وكلام الله ما حقيقته؟ أنه كلام الله الذي قاله لجبريل فوق سبع سماوات.

وثم الأصل في العلوم مطابقة الواقع والحقائق

وعلم جبريل مطابق للواقع وهو أن الله قد تكلم بهذا الكلام

ثم الأصل في الكلام أنه يطابق العلم وهو الصدق

وكلام جبريل يطابق لما يعلمه

ثم الأصل في المكتوب أن يطابق المنطوق، والقران المكتوب يطابق المنطوق

وهو كلام الله لم تتغير صفته بكل هذا ولم يزد فيه شيء ولم ينقص إذا هو كلام بقي غير مخلوق

فهل اقتضى ذلك حلول الله بخلقه؟ لا، فقد بقي بكماله على عرشه

طيب ما الذي يخالف فيه الجهمية هنا؟

يخالف الجهمية في أن كلام الله صفة قائمة بنفسه كما قال الإمام أحمد والدارمي:

يقول الإمام أحمد: " فإن كلام الله ليس ببائن منه وليس منه شيء مخلوقا وإياك ومناظرة من أخذل فيه ومن قال باللفظ وغيره ومن وقف فيه فقال لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق وإنما هو كلام الله فهذا صاحب بدعة مثل من قال هو مخلوق وإنما هو كلام الله ليس مخلوق

المصدر: اصول السنة للامام احمد"

وأما كلام الدارمي:

قال الإمام الدارمي في أشهر تصانيفه والذي قال عنه الإمام ابو زرعة رزق حسن التصنيف: "وأما أن يقاس الكلام من المتكلم بالخير الذي يأتي من قبله، والعطاء الذي يخرج من عنده فإنه لا يقيس به4 إلا جاهل مثل الثلجي لأن الخلق قد علموا أن الكلام يخرج من المتكلم بلا شك وأن إعطاء العطاء وبذل المال لا يخرج من نفس المعطي والباذل، ولكن من شيء موضوع عنده بعينه، والكلام غير بائن من المتكلم، والمال والعطاء بائن منه، لأنه متى شاء عاد في مثل كلامه الذي تكلم به قبل، من غير أن يرد الكلام الخارج منه إلى نفسه ثانية ولعله لا يقدر على المال والعطاء الذي خرج منه، إلا أن يعود فيه بعينه، فمن قاس هذا بذاك فقد ترك القياس الذي يعرفه أهل القياس، والمعقول الذي يعرفه أهل العقل.

الدارمي

المصدر: النقض على المريسي"

فالفرق واضح بين أن يكون كلام الله القران نفسه الغير مخلوق مكتوب في المصحف، وبين أن يكون الله نفسه وهو يتكلم ويسمعه جبريل في المصحف دون عرشه تعالى الله عن هذا الفهم علوّا كبيرًا، وهذا الذي يريد الجهمية أن ينسبونه لنا!!

وقد رد عليهم السلف في هذا فقال الإمام الدارمي:

"النقض على المريسي ت الشوامي (ص: 50)

ثم احتج المعارض لترويج مذهبه هذا بأقبح قياس؛ فقال: أرأيت لو كتبت اسما في رقعة ثم احترقت الرقعة، أليس إنما تحترق الرقعة ولا تضر النار الاسم شيئا؟ فيقال لهذا التائه الذي لا يدري ما يخرج من رأسه:

إن الرقعة وكتابة الاسم ليس كنفس الاسم، إذا احترقت الرقعة احترق الخط وبقي اسم الله له وعلى لسان الكاتب، كما لم يزل قبل أن يكتب، لم تنقص النار من الاسم ولا ممن له الاسم شيئا. وكذلك لو كانت أسماء المخلوقين، لم تنقص النار من أسمائهم ولا من أجسامهم شيئا. وكذلك لو كتبت «الله» بهجائه في رقعة لاحترقت الرقعة وكان الله بكماله على عرشه. وكذلك لو صور رجل في رقعة، ثم ألقيت في النار، لاحترقت الرقعة، ولم تضر الصورة (1) شيئا.

وكذلك القرآن، لو احترقت المصاحف كلها لم ينقص من نفس القرآن حرف واحد, وكذلك لو احترقت القرأة كلهم، أو قتلوا، أو ماتوا، لبقي القرآن بكماله كما كان، لم ينتقص منه حرف واحد؛ لأنه منه بدأ، وإليه يعود عند فناء الخلق بكماله غير منقوص.

وقد كان لإمامه المريسي في أسماء الله مذهب كمذهبه في القرآن.

كان القرآن عنده مخلوقا من قول البشر، لم يتكلم الله بحرف منه في دعواه، وكذلك أسماء الله عنده من ابتداع البشر من غير أن يقول الله: {إني أنا الله رب العالمين (30)} "

ويقول أيضًا: وَنَفْسُ القُرْآنِ كَلَامٌ غَيْرُ مُجَسَّم فِي كُل أَحْوَاله، إِنَّمَا يُحَسُّ بِهِ إِذَا قُرِئَ، فَإِذا زَالَت عَنهُ القَرَأَةُ؛ لم يُوقَفْ لَهُ على جِسْمٍ وَلَا صُورَةٍ، إِلَّا أَنْ يُرْسَمَ بِكِتَابٍ. هَذَا مَعْقُولٌ لَا يَجْهَلُهُ إِلَّا كُلُّ جَهُولٍ. قَدْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ -إِنْ شَاءَ الله- وَلَكِنَّكُمْ تُغَالِطُونَ، وَالعُلَمَاءُ بِمُغَالَطَتِكُمْ عَالمون وَلِضَلَالَتِكُمْ مُبْطِلُونَ. وَيَكْفِي العَاقِلَ أَقَلُّ مِمَّا بَيَّنَّا وشَرَحْنَا مِنْ مَذَاهِبِكُم، 

وقال: وَاحْتَجَّ المُعَارِضُ أَيْضًا لِتَحْقِيقِ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعًا لِصَاحِبِهِ».

فَقَالَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ: إِنْ قُلْتُمْ بِهَذَا الحَدِيثِ كَانَ نَقْضًا لِمَا ادَّعَيْتُمْ أَنَّ القُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَاءَى شَيْءٌ فِي صُورَةٍ، إِلَّا وَذَلِكَ المُتَرَائِي وَالمُتَكَلِّمُ فِي قِيَاسِ مَذْهَبِهِ مَخْلُوقٌ.

فَقَدْ فَسَّرْنَا هَذَا لِهَذَا المُعْجَبِ بِجَهَالَتِهِ فِي كِتَابِنَا هَذَا، أَنَّ القُرْآنَ كَلَامُ الله لَيْسَ لَهُ صُورَةٌ، وَلَا جِسْمٌ، وَلَا يَتَحَوَّلُ صُورَةً أَبَدًا، لَهُ فَمٌ وَلِسَانٌ ينْطِقُ بِهِ ويَشْفَعُ، قد عَقِلَ ذَلِكَ جَمِيعُ المُسْلِمِينَ. فَلَمَّا كَانَ المَعْقُولُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ ثَوَابٌ يُصَوِّرُهُ الله فِي أَعْيُنِ المُؤْمِنِينَ، جَزَاءً لَهُمْ عَن القُرْآن الَّذِي قَرَءُوُه."

انتهى كلامه

والجهمية من أصولهم:

القران ليس فعلًا اختياريّا قام بذات الله، بل هو شيء خلقه خارج نفسه، ولهذا رد عليهم السلف قولهم أنه خلقه في الشجرة أو حل في فرعون، أو غيرها.

يقول الإمام الدارمي: النقض على المريسي ت الشوامي (ص: 169)

فإنا لا نقول كما ادعيت أيها المعارض، ولا نقول: إن بعض ذاته في الأرض منزوع مجسم بائنا منه. ولكنا نقول: علمه وكلامه معه كما لم يزل، غير بائن منه

ويقول: لأن العلماء قد علموا أن القرآن كلام. والكلام لا يقوم بنفسه شيئا قائما حتى تقيمه الألسن ويستلين عليها، وأنه بنفسه لا يقدر على المجيء، والتحرك، والنزول بغير منزل ولا محرك، إلا أن يؤتى به وينزل.

والله تعالى حي قيوم، ملك عظيم، قائم بنفسه، في عزه وبهائه، يفعل ما يشاء كما يشاء، وينزل بلا منزل، ويرتفع بلا رافع، ويفعل ما يشاء بغير استعانة بأحد، ولا حاجة فيما يفعل إلى أحد، ولا يقاس الحي القيوم الفعال لما يشاء بالكلام الذي ليس له عين قائم حتى تقيمه الألسن، ولا له أمر ولا قدرة ولا إرادة، ولا يستبين إلا بقراءة القراء."

فالقرآن كما قال، ليس جسم يحل ويخالط أجسام المخلوقين، إنما هو كلام الله يتعلمونه ويتناقلونه ولا يصير مخلوقًا بحركتهم وانتقالهم كما يقول الكرابيسي.

وقولهم أن العلم بكلام الله وتبليغه يقتضي الحلول الخاص أي حلول صفة من صفات الله في الخلق أو أن يصير المصحف صفة من صفات الله هو كقول النصارى الذي رد عليه الدارمي:

"تفسيره عامة من آمن بالله: أنه إذا أراد شيئا قال له: «كن فيكون»، ومتى لا يقول له: «كن»؛ لا يكون، فإذا قال: «كن»؛ كان، فهذا المخرج من أنه كان بإرادته وبكلمته، لا أنه نفس الكلمة التي خرجت منه، ولكن بالكلمة كان، فالكلمة من الله «كن» غير مخلوقة، والكائن بها مخلوق.

وقول الله في عيسى «روح الله، وكلمته» فبين الروح والكلمة فرق في المعنى؛ لأن الروح الذي نفخ فيها مخلوق امتزج بخلقه، والكلمة من الله غير مخلوقة لم تمتزج بعيسى، ولكن كان بها، وإن كره لأنها من الله أمر، فعلى هذا التأويل قلنا، لا على ما ادعيت علينا من الكذب والأباطيل."

ويقول الإمام أحمد:

وليس عيسى هو الكُنُّ، ولَكِنْ بالكُنِّ كَانَ، فالكُنُّ من الله قول، وليس الكن مخلوقًا1.

وكذبت النصارى والجهمية على الله في أمر عيسى، وذلك أن الجهمية قالوا: عيسى روح الله وكلمته، لأن الكلمة مخلوقة، وقالت النصارى: عيسى روح الله من ذات الله. وكلمته من ذات الله. كما يقال: إن هذه الخرقة من هذا الثوب، وقلنا نحن: إن عيسى بالكلمة كان، وليس عيسى هو الكلمة. الرد على الجهمية والزنادقة (ص: 126)

والأصل الثاني عند الجهمية أن الله ليس له أفعال تقوم بذاته، إنما أفعاله هي أفعال عباده،

والأصل الثالث عنده أن الإيمان هو قول لا إله إلا الله، وعنده هذه ليست شيء قاله الله بل هو في العباد قالوه بحركاتهم وكله عنده مخلوق، وخالفه الكرابيسي فقال بل القول الذي هو صفة الله غير مخلوق، لكن الإيمان يصير بالحركة والفعل مخلوقًا، يعني لو أن أحدًا قال لا إله إلا الله، تصير على لسانه وحركته وفعله مخلوقة، وتبقى عند الله غير مخلوق، وهذا تناقض كما فعل صاحبنا في مثال الفرزدق! إذ غير صفات الكلام دون أن يتغير شيء في الكلام!

ونحن لا نقول إن كلام الله شيء بائن عنه، ومع ذلك هو يخرج منه أي يسمعه جبريل، وليس كلامًا نفسيّا محبوسًا في نفسه كما عند الكلابية والأشاعرة، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا ، فيسمع نفسه ويكتب نفسه ويعلم نفسه ويحفظ نفسه دون أن يحل الله نفسه في خلقه كما هو قول الحلولية والجهمية القائلين بأن الفعل عين المفعول وكالنصارى.

ولهذا فيكون القران معنا على الأرض مكتوبًا ومع ذلك هو كلام الله فوق سبع سماوات، على هذا التفصيل وحده.

فالأثرية الزائفة سلموا للجهمية أن القران شيء ملموس بنفسه قائم بنفسه كعين وذات يحل في الأشياء كجسم في جسم، وليس ككلام منطوق على الألسنة مكتوب مرسوم في الألواح، ولكن الجهمية قالوا هذا مخلوق والنصارى قالوا هذا غير مخلوق وعبدوا هذه الذات التي هي عندهم كلمة من كلام الله وهو عيسى والجهمية جعلوه هو نفس ورق المصحف وليس مكتوبًا على المصحف.

ومعلوم أن ورق المصحف هو ورق نحن نكتب عليه القرآن وبذلك يأخذ أحكامًا خاصة إذ صار كلام الله مكتوب عليه! ومنظور إليه فيه.

وقيام كلام الله في المخلوقين هو مقام تبيين وتبليغ، كما يقول الإمام الدارمي "الكلام الذي ليس له عين قائم حتى تقيمه الألسن، ولا له أمر ولا قدرة ولا إرادة، ولا يستبين إلا بقراءة القراء" وأيضًا "، إِنَّمَا يُحَسُّ بِهِ إِذَا قُرِئَ، فَإِذا زَالَت عَنهُ القَرَأَةُ؛ لم يُوقَفْ لَهُ على جِسْمٍ وَلَا صُورَةٍ، إِلَّا أَنْ يُرْسَمَ بِكِتَابٍ. هَذَا مَعْقُولٌ لَا يَجْهَلُهُ إِلَّا كُلُّ جَهُولٍ."

والذي يرفع من صدور العباد بعد طلوع الشمس من مغربها إنما هو ما علمهم الله إياه من كلامه سبحانه:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)

العلم هو الذي ينتزع من صدورهم، لكن القران لا يبيد ولا يفنى بل هو كلام الله غير مخلوق!

يقول ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله "وأن القرآن كلام الله، ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فينفد"

فحقيقة الأمر أن الأثرية الزائفة قوم قد دخلتهم شبه الجهمية حتى صار من الصعب عليهم الخروج منها واستيعاب غيرها، فهم كالكرامية عاكسوا الجهمية على نفس أصولهم، كما فعل المرجئة كذلك، عاكسوا الخوارج على نفس أصولهم، وأهل السنة وسط بين ذلك كله ملتزمين بالكتاب والسنة والفطرة السليمة.

وهذا باذن الله آخر منشور أكتبه في الباب، وباذن الله سننتقل لمباحث أخرى فقد بيننا ما يجب تبيينه والله المستعان.

#الغيث_الشامي


إرسال تعليق