يقول دعدوش أننا لو قلنا أن الله في السماء واعتقدنا معناها المفهوم لغةً فنكون قد قسنا الغائب على الشاهد، وهذا عنده تشبيه بإطلاق ومذموم!
فهل يعقل ما يخرج من رأسه؟!
لنرى:
أولًا: ابتدي بنقل من كلام شيخ الإسلام لأني أدري أن اسمه يستفزك أنت وأمثالك:
إذ يقول في بيان تلبيس الجهمية:
"قاعدة جليلة جامعة وهو أن يقال لا ريب أن قياس الغائب على الشاهد يكون تارة حقًّا وتارة باطلاً وهذا متفق عليه بين العقلاء"
ثانيًا: كل طائفة على وجه الأرض لازمها قياس الغائب على الشاهد، فإن من يقول أن العالم حادث عن سبب لأنا قد علمنا من الحس معنى السببية ثم اضطرتنا عقولنا أنه لا شيء غير السبب هو الذي يُحدث النتيجة وأنه وجودي وأنه يمكن استنباط صفات ضرورية للصانع من صنعته وهذه الصفات كذلك علمنا معناها من الشاهد وعممناها بضرورة العقل على الغائب بنفس الطريقة
فقولنا إن الخالق لا بد أنه قادر، وأن المريد المخصص لابد أنه عليم، والخ.. كل هذا من قياس الشاهد على الغائب في قدر مشترك معنوي ضروري نتعلمه من الشاهد وهي قدرتنا وعلمنا والأسباب حولنا والنتائج والمصنوعات ثم عقولنا بفطرتها وطبعها تعممه لإدراكها وجه الضرورة فيه.
ثم أنت لما تعلمت معنى القدرة وذاتياتها وما لا يكون إلا بها ولا يكون بغيرها نسبتها للخالق سبحانه وأنت فاهم معناها ولا تدري كيفيتها.
وهذا المذهب لازم لجميع الطوائف حتى القرامطة الملحدون فالقرامطة قاسوا بالشاهد على الغائب فأصل الدليل العقلي الذي به اثبتوا وجود ذات الصانع ولو كانت مطلقة مجردة وتناقضوا في ذلك ولم يطردوا هذه الطريقة العقلية بالأخذ بلوازمها الضرورة ولكنهم بالنهاية تلبسوا بها.
والأشاعرة أثبتوا الحياة والقدرة والإرادة معلومة المعنى، مدركة اللوازم، وأثبتوا ذات وصفات بقياس الشاهد على الغائب في الضرورات، والضرورات هي بالنسبة للعارف فما لم يكن ضرورة عقلية قد يكون ضرورة شرعية، فكما أننا علمنا أن لله قدرة بالعقل وأدركنا معنى القدرة من الشاهد، كذلك علمنا أن له يدًا من الشرع الذي دلتنا عقولنا على صحته بما أظهره الله لنا من أدلة باهرة وأدركنا معناها من الشاهد ولم نعلم الكيفية، لأن المعاني باتفاق متماثلة بين الشاهد والغائب وهي ما يقع عليها أصل التسمية، والكيفيات مختلفة وكثيرة تحت اسم واحد، فليس كل قدير على كيفية واحدة لكن كل قدير فله قدرة معلومة المعنى!
ونقول مثل هذا في إثباتنا للعلو الذي نعلم معناه فطرة وعقلًا وشرعًا، ونحن نلزمكم مرة بعد مرة، أن القول فيما أثبتموه كالقول فيما نفيتموه، القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، هذه القاعدة التي أوردها شيخ الإسلام في التدمرية ستظل تثقب أسماعهم إلى يوم القيامة.
وهي قاعدة لازمة لنا ولكم يا دعدوش رغم أنوفكم، بل وعلمائك الأشاعرة قد صرحوا بها وسأنقل في التعليقات بحث الأستاذ ماهر أمير في كتابه الانتصار للتدمرية الذي جمع فيها اعترافات بعض أكباركم فيما يخص هذا الباب.
وإن قلت الباب عقلي ولا يلزمني فيه التقليد قلنا لك إذا قل هذا في القدرة والعلم والإرادة يا شاطر وكنت مثل ذكران مذهبكم المعتزلة الذين نفوا كل الصفات وسيبقى الإلزام قائمًا عليكم في الذات والأسماء فهنيئًا لك بهذا الإلزام...
مع علمي بأنك ما قلت ذلك إلا لتموه على العوام وتمارس التقية كما قد تعلمت ذلك في مظانّه وإلا فأنت أشعري مفوض جلد.
والسلام على من اتبع الهدى
#الغيث_الشامي